للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدليل الثالث: ما صححه الطبرانى فى الكبير بسنده عن أبى رجاء العطاردى، قال: «كان أبو موسى يقرئنا فيجلسنا حلقا وعليه ثوبان أبيضان فإذا تلا هذه السورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ قال: هذه أول سورة نزلت على محمد صلّى الله عليه وسلم.

كما وردت آثار أخرى بهذا المعنى مثال ذلك ما جاء فى رواية الزهرى: أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان بحراء إذ أتى الملك بنمط من ديباج مكتوب فيه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) إلى ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) [العلق] والنمط: هو الثياب، والديباج: هو الحرير.

فهذا هو القول الأول الذى يرى بهذه الأدلة أن أول ما نزل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)، والأدلة كما نرى قوية فهى روايات وشهادات موثقة وصحيحة فيها التصريح بذلك ونزداد يقينا بصحة هذا القول عند ما نعرض الأقوال الأخرى من باب الأمانة العلمية، وحتى لا يبقى فى النفس شىء.

فأما القول الثانى: فيرى أن أول ما نزل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ودليل هذا القول ما رواه الشيخان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: «سألت جابر بن عبد الله: أى القرآن أنزل قبل؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فقلت: أو اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وفى رواية نبئت أنه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقال: أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنى جاورت بحراء فلما قضيت جوارى نزلت فاستبطنت الوادى زاد فى رواية: «فنوديت فنظرت أمامى وخلفى وعن يمينى وعن شمالى، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو- يعنى جبريل- قاعد وفى رواية جالس على عرش بين السماء والأرض فأخذتنى رجفة فأتيت خديجة، فأمرتهم فدثرونى، فأنزل الله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) [المدثر].

وهذا الحديث الذى ذكره جابر بن عبد الله رضي الله عنه فيه ما يشير إلى أن رؤية الرسول صلّى الله عليه وسلم للملك جبريل لم تكن الأولى فكلمة «فإذا هو» تدل على أنه يشير إلى أنه الملك الذى جاء مرة قبل ذلك بغار حراء فيكون ما نزل فى هذه المرة قد سبق بغيره، ونقل جابر بن عبد الله هذا على أنه أول ما نزل بإطلاق، ولكنه أول ما نزل بعد فترة الوحى. والذى يرجح ما نقول به ما جاء فى رواية جابر بن عبد الله نفسه رضي الله عنه ورواها الشيخان كذلك وفيها: «فبينا أنا أمشى إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصرى قبل السماء فإذا الملك الذى جاء بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فجثثت حتى هويت إلى الأرض (أى ثقل جسمى عن القيام من الخوف) فجئت أهلى فقلت: دثرونى فدثرونى فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ

<<  <   >  >>