ومن المعانى اللغوية كذلك الإشارة، وذكر هذا فى قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)[مريم] هذا وقد يطلق لفظ الوحى ويقصد به الموحى به.
وأما معنى الوحى اصطلاحا فهو: إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه بحكم شرعى ونحوه؛ فالموحى هو الله سبحانه، والموحى إليه نبى من أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، والموحى به حكم شرعى من أمر أو نهى ونحو هذا مما يوحى به الله تعالى من أنباء من سبق وما حدث لهم، وما سيأتى، وما يبنى عقيدة التوحيد خالصة نقية، وما يؤسس الخلق الكريم ويغرى بالتحلى به، وما ينفر من رذائل الأخلاق، وما يقيم مجتمعا فاضلا على حسن العبادة لله وحسن التعامل فيما بينهم.
ومن فضل الله على خلقه أن اصطفى منهم من يقوم بتبليغ وحيه إليهم حتى يسيروا فى حياتهم على هدى، وحتى لا يضلوا: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣)[آل عمران].
ويوحى الله إلى خلقه ما يسعدهم فى جميع فتراتهم الزمنية، وما يناسب بيئاتهم المكانية، حتى كان وحيه إلى خاتمهم صلّى الله عليه وسلم يحمل من خصائص الاستمرار ما يجعله معطاء لكل الأجيال إلى قيام الساعة.
ويذكرنا الله سبحانه بهذه المنة على خلقه جميعا فى خطابه لرسوله صلّى الله عليه وسلم فى قوله الكريم: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤)[النساء].
فهؤلاء ممن اصطفى الله، وذكر الله تعالى أسماءهم، وقص علينا من أخبارهم، وما أوحى به إليهم، وكيف كان حال أقوامهم معهم، لنفيد من هذه التجارب باعتبارنا الأمة الأخيرة فى حياة الأمم. وهذه المجموعة من صفوة البشر ليسوا وحدهم، بل هناك آخرون قاموا بهذه المهمة، وأوحى الله إليهم ولم يقصصهم علينا ربنا.
وما قصّه علينا فيه الجمع المفيد لكل طبائع البشر وكيف كان حالهم مع الوحى؛ فمنهم من استجاب ونجا، ومنهم من فتن بماله، ومنهم من فتن بجاهه، ومنهم من فتن