للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) [القلم].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو يوم القيامة يوم كرب وشدة «١». وهذه الآية من بدايات البيان والتفصيل لهول يوم القيامة، وما يحدث للناس فيه، تقرع به الآذان لتستيقظ من غفلتها، ولتثوب إلى رشدها، ولتكون على يقين الرجعى إلى الله، فينضبط سلوكها فى الحياة. فعن أبى بردة عن أبى موسى قال: حدثنى أبى قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فى الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد، فيقال لهم: ما تنتظرون وقد ذهب الناس، فيقولون: إن لنا ربا كنا نعبده فى الدنيا ولم نره، قال: وتعرفونه إذا رأيتموه فيقولون: نعم، فيقال: فكيف تعرفونه ولم تروه، قالوا: إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إلى الله تعالى، فيخرون له سجدا، وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصى البقر (يعنى قرونها) فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) «٢».

ويأتى التنبيه للربط بين العمل فى الدنيا والجزاء فى الآخرة على هذا العمل فى هذا المشهد الذى يدعى فيه هؤلاء إلى السجود فى هذا اليوم الشديد فلا يستطيعون، فإنهم كانوا يدعون فى الدنيا- وهى دار الأعمال- إلى هذا السجود فلم يستجيبوا من أجل هذا ذلت أبصارهم وذل حالهم فى الدار الآخرة.

وتنتقل الآيات الكريمة لتضع أمام الناس سنة من سنن الله مع خلقه ممن كذب بهذا الحديث، إنها سنة الاستدراج وهى الأخذ قليلا قليلا من حيث لا يعلمون، فلا يستعجلون وكذلك من سنته سبحانه أن يملى لهم فلا يعاجلهم بل يعطيهم ويمهلهم حتى إذا أخذهم كان أخذ عزيز مقتدر. يقول الله تعالى مسليا لرسوله صلّى الله عليه وسلم- وهو يرى موقف من كذب بالوحى المنزل: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥). أى إن عذابى لقوى شديد فلا يفوتنى أحد.

وتستمر الآيات الكريمة فى بيان شأن المشركين المعرضين عن الوحى، والمعاندين لرسول الله صلّى الله عليه وسلم لتتساءل هل تثاقلهم عن الاستجابة نتيجة لطلبك منهم أجرا على ما تقدم


(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/ ٤٠٧.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٨/ ٢٤٩، ٢٥٠.

<<  <   >  >>