ولا بد من الوقوف للحساب، فيقام ميزان العدل المطلق، الذي لا يضيع مثقال حبة من خردل، ولا ذرة من غبار، ولا واحدة من الكهارب (الالكترونات) التي تسبح في فضاء الذرة، ولا أصغر من ذلك. تحصى على المرء أعماله كلها، وتقدر ظروفه كلها، وتبرز نياته الخيرة واخلاصه القلبي، فتكون ثقلا له في جانب الحسنات من الميزان، وما كان في قلبه من نفاق أو رياء، فيكون ثقلا عليه في جانب السيئات من الميزان (١).
محاكمة عادلة، لا ينفع فيها الانسان الا عمله الذي قدمه، وعفو ربه الذي يرجوه، ورحمته التي يؤملها، لا يسعفه ما كان له من مال الا ما أنفق منه لله وفي سبيل الله، ولا يعينه ما كان له من جاه الا إن استعمله في طاعة الله، ولا يستطيع أحد أن ينفع احداً أبدا، ولا تملك نفس لنفس شيئا، ولا يجد أحدهم شفيعا يشفع له الا من بعد اذن ربه.
وشفاعة الآخرة ليست كشفاعة الدنيا، فالشفيع في الدنيا يدخل على الحاكم يدل عليه بمودته له أو جاهه عنده، يلزمه الشفاعة ولو كان في قرارة نفسه لا يريدها، فيحابي بها موظفا، أو يبرئ بها متهما، أما الشفاعة في الآخرة فتكون عندما يريد ربنا (برحمته) العفو عن أحد، ويريد (بكرمه) تشريف احد، يجعله سبباً ظاهراً لهذا العفو، فيأذن له بالشفاعة له، فيشفع بإذنه وأمره.
الإيمان باليوم الآخر
[الشهود والبينات]
محاكم الدنيا، التي يتولاها حكام من العباد، لها عدالة بشرية محدوة، ووسائل للاثبات ظاهرة معدودة، ولكن محاكمات الآخرة قاضيها رب الأرباب، وعدالتها مطلقة لا حد لها، وبيناتها شهادات الأنبياء، والملائكة الذين كانوا يحصون الأعمال، ويدونون الحسنات والسيئات. والصحف التي دونت فيها هذه الاحصاءات، واعترافات المذنبين وشهادات الأعضاء.
(١) ان كل ما قالوا في وصف الميزان وشكله لا دليل عليه.