فالانسان حر مخير في حدود الطاقة البشرية، وكونه مجبرا - في بعض الحالات - لا ينفي عنه صفة الحرية. كالسيارة والصخرة، لا ينكر أحد أن السيارة تمشي ولكن في حدود قوة محركها، ومدى احتمالها، فان صنعت سيارة شحن لا يمكن أن تمشي بسرعة سيارة السباق وان صنعت لتمشي على الأرض لا يطلب منها أن تصعد السلم، ولا أن تخترق الجدار. انها تسير على الطريق، فان عاق مسيرها عائق، لم تفقد صفة القدرة على السير، ولا تكون كالصخرة. وكذلك الانسان، تعترضه في الحياة عوارض تعطل ارادته، وعوائق تحول وجهته، وتؤثر فيه أمور لا يملك دفعها ولا ابدالها، ولكن ذلك لا ينفي انه حر، فهو (إنسان حر)، يتصرف ضمن الحدود الانسانية، وليس إلهاً ليصنع ما يشاء.
الإيمان بالقدر
[الثواب والعقاب منوط بالحرية]
فاذا لم تكن حرية فلا عقاب، المكره على فعل الشر لا يعاقب عليه، والله انمان يؤاخذنا على ما نملك الخيار في فعله أو تركه، للانسان ما كسب. وعليه ما اكتسب، لا يكلف الله نفسا الا وسعها، والله لا يضيع مثقال ذرة. واذا كانت المحاكم البشرية، بعدالتها النسبية، تقدر ظروف المتهم ودوافعه، وبيئته واستعداده، وترى تقدير ذلك من العدل، فهل يترك ذلك في محكمة رب العالمين، التي فيها العدالة المطلقة. وهل يعاقب المذنب الناشئ من والدين فاسقين، وبيئة فاسدة، والذي عاش طفولة مهملة مشردة، كمن أذنب الذنب نفسه، وهو ناشئ في أفضل البيئات، مولود من خير الآباء؟.
الإيمان بالقدر
[مقاييس العدالة]
على أن أكثر علماء الكلام قد أخطؤوا أكبر الخطأ، حين طبقوا على الله مقاييس العدالة البشرية. تنبهت إلى هذه الحقيقة بواقعة وقعت لي، أسردها لأن فيها عبرة، وان لم يكن موضع سردها هذا الكتاب.
كنت سنة (١٩٣١) أدرس في مدرسة ابتدائية في الشام، وكنت في فورة