للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي، وما نطق به من الحديث، هما في الأصل درجة واحدة من الحجية (١)، فالقرآن وحي من الله بلفظه ومعناه، والحديث وحي من الله بالمعنى، واللفظ لفظ الرسول، قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى}.

والصحابة الذين سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم الآية يبلغها، والحديث ينطق به، لم يكونوا يفرقون بينهما، في وجوب العمل، وفي الحجية.

ولكن الفرق نشأ من الرواية والنقل، فالقرآن نقل نقلا متواترا، بحيث نجزم بأن النص الذي في المصحف، هو الذي نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهوالذي بلغه محمد أصحابه، ما نقص منه شيء (٢) ولا زيد فيه شيء، ولا أبدل منه شيء. أما الحديث فنقل جله (ان لم نقل كله) آحاد عن آحاد، ولقد بذل علماء الحديث في تمحيص روايته، والفحص عن رجاله، أقصى ما تصل اليه الطاقة البشرية، ولكنا لا نقطع مع ذلك بأن الحديث الذي رواه (البخاري) و (مسلم) وأصحاب السنن، قد قاله صلى الله عليه وسلم، وأنه نقل بلفظه، كما نقطع بأن ما في المصحف هو القرآن المنزل.

ولما كانت العقيدة أساس الدين، ويترتب على الاخلال بها الكفر والردة، وكان لا يحكم على مسلم بالردة ما دام في الأمر احتمال الا يكون كفر. لذلك قلنا ان من أنكر عقيدة جاءت بصريح القرآن يكفر، ومن أنكر عقيدة وردت في صحيح السنة يفسق ولا يكفر، هذا ان ردها عنادا وخلافا، أما اذا كان من أهل الحديث، العارفين بعلله، ورد الحديث لعلة في سنده أو متنه، فلا شيء عليه.


(١) أي في قوة الاحتجاج بهما.
(٢) ومن اعتقد من اتباع الفرق المنسوبة إلى الإسلام، ان الذي في المصاحف ليس القرآن كله، وان من القرآن ما ليس في المصحف التي يتداولها المسلمون، كفر وخرج من ملة الإسلام، الا ما كان من الآيات التي قال قوم أنها منسوخة التلاوة، ولم يثبت ذلك بخبر متواتر.

<<  <   >  >>