للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد رووا عنه كل شيء حتى ما يكون في حالات الضرورة البشرية، فعرفنا كيف يأكل، وكيف يلبس، وكيف ينام، وكيف يقضي حاجته، وكيف يتنظف من آثارها.

فأروني عظيما آخر، جرؤ أن يغامر فيقول للناس: هاكم سيرتي كلها، وأفعالي جميعا، فاطلعوا عليها، وارووها للصديق والعدو، وليجد من شاء منهم مطعنا عليها.

أروني عظيما آخر دونت سيرته بهذا التفصيل، وعرفت وقائعها وخفاياها، بعد ألف وثلاثمئة سنة، مثل معرفتنا بسيرة نبينا؟

والعظمة اما أن تكون بالطباع والأخلاق والمزايا الصفات الشخصية، واما ان تكون بالأعمال الجليلة التي عملها العظيم.

واما أن تكون بالآثار التي أبقاها في تاريخ امته وفي تاريخ العالم.

ولكل عظيم جانب من هذه المقاييس تقاس بها عظمته، اما عظمة محمد فتقاس بها جميعا لأنه جمع أسباب العظمة، فكان عظيم المزايا، عظيم الأعمال، عظيم الآثار.

والعظماء اما أن يكونوا عظماء في أقوامهم فقط، نفعوها بقدر ما ضروا غيرها، كعظمة الأبطال المحاربين، والقواد الفاتحين.

واما أن تكون عظمة عالمية، ولكن في جانب محدود، في كشف قانون من القوانين التي وضعها الله في هذه الطبيعة، وأخفاها حتى نعمل العقل في الوصول اليها، أو معرفة دواء من أدوية الامراض، أو وضع نظرية من نظريات الفلسفة، أو صوغ آية من آيات البيان، قصة عبقرية، أو ديوان شعر بليغ.

أما محمد فكانت عظمته عالمية، في مداها، وكانت شاملة في موضوعاتها.

وكان مؤمنا بما يدعو اليه، وكثير ممن نعرف من الدعاة، قديما وحديثا، يقولون بألسنتهم ما تخالفه أفعالهم، ويعلنون في الملأ ما لا يأتونه في

<<  <   >  >>