ومن أراد أن ينتسب إلى واحد منها، نظر أولا إلى هذه (المبادئ)، فان ارتضاها واعتقد صحتها، وقبل بها بفكره الواعي وبعقله الباطن، ولم يبق عنده شك فيها، طلب (الانتساب) إلى الجمعية. فانتظم في سلك أعضائها ومتبعيها، ووجب عليه أن يقوم بالأعمال التي يلزمه بها دستورها، ويدفع رسم الاشتراك الذي يحدده نظامها، وكان عليه (بعد ذلك) أن يدل بسلوكه على اخلاصه لمبادئها، فيتذكر هذه المبادئ دائماً، فلا يأتي من الأعمال ما يخالفها، بل يكون باخلاقه وسلوكه، مثالا حسنا عليها، وداعية فعليا لها.
فالعضوية في الجمعية هي:(علم) بنظامها، و (اعتقاد) بمبادئها، و (اطاعة) لأحكامها، و (سلوك) في الحياة موافق لها. هذا وضع عام، ينطبق على الاسلام. فمن أراد أن يدخل في دين الاسلام عليه (أولا) أن يقبل أسسه العقلية، وأن يصدق بها تصديقا جازما، حتى تكون له (عقيدة). وهذه الأسس تتلخص في أن يعتقد ان هذا العالم المادي ليس كل شيء، وان هذه الحياة الدنيا ليست هي كالحياة كلها. فالانسان كان موجوداً قبل أن يولد، وسيظل موجوداً بعد أن يموت، وانه لم يوجد نفسه، بل وجد قبل أن يعرف نفسه، ولم توجده هذه الجمادات من حوله، لأنه عاقل ولا عقل لها، بل أوجده وأوجد هذه العوالم كلها من العدم إله واحد، هو وحده الذي يحيي ويميت، وهو الذي خلق كل شيء، وان شاء أفناه، وذهب به، وهذا الإله لا يشبه شيئا مما في العوالم، قديم لا أول له، باق لا آخر له، قادر لا حدود لقدرته، عالم لا يخفى شيء عن علمه، عادل ولكن لا تقاس عدالته المطلقة بمقاييس العدالة البشرية، هو الذي وضع نواميس الكون التي نسميها (قوانين الطبيعة)، وجعل كل شيء فيها بمقدار، وحدد من الأزل جزئياته وأنواعه، وما يطرأ عليه (على الاحياء وعلى الجمادات) من حركة وسكون، وثبات وتحول، وفعل وترك. ومنح الانسان عقلا يحكم به على كثير من الأمور، التي جعلها خاضعة لتصرفه. وأعطاه عقلا يختار به ما يريد، وارادة يحقق بها ما يختار. وجعل بعد هذه الحياة المؤقتة حياة دائمة في الآخرة،