الالتفات الفارغ إلى الملِك أو نسيه فحاجته مقضيّة من دونه، وقطْعاً فإن لهذا الوسيط المقرَّب في قلب العبد منزلة تملؤه حَشْوها الحب والخوف والرجاء، وهذه الثلاث هي أركان العبادة فهو يحبه لظنه واعتقاده أنه يقضي حاجته ويخافه أن لا يحصل منه ذلك، ويرجوه لذلك.
والرب سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه لإبطال هذا الاعتقاد، لأنه مخالف لحكمة الخلق من كل وجه وتنقص للإله الحق من كل وجه، وظلم من العبد لنفسه ولمن تألّهه من دون الله من كل وجه.
فهل يليق أن يُرفع المخلوق إلى درجة الخالق، والمملوك إلى درجة المالك، والفاعل المنفعل إلى درجة الفاعل بالاختيار غير المنفعل؟
المشرك يقول: أعوذ بالله من هذا الوصف ومَن الذي يُقرّه ويرضى به، ولقد اتّهمْتونا بالعظائم.
فنحن لا نجعل مع الله شريكاً وهو ربنا ومليكنا الذي يحيينا ويمتنا ويرزقنا ويدبر أمورنا ونحن نعبده نصلي له ونصوم ونحج ونذكره ونقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله فما ذنبنا الذي جعلتم كل عمل حابطاً معه؟.
فيقال: إن ذنب المشرك عظيم وإن ظنه سهل يسير وإن غرّته عبادته، لكن بمعرفته لحقيقة الإسلام الذي كلمته لا إله إلا الله وهي كلمة التوحيد، بمعرفته لذلك تنجلي عن قلبه ظلمات الجهالة