للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان لا يكتبهما اعتمادا على حفظ الناس لهما لا إنكارا لقرآنيتهما، فالفاتحة يقرؤها كل مسلم في الصلاة، والمعوذتان يعوذ بهما المسلمون وأولادهم وأهليهم، وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقي الحسن والحسين بهما «١» وبغيرهما من المعوذات كقوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) «٢»، قال ابن قتيبة في مشكل القرآن: (وأما إسقاط الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان)، ومعنى ذلك أنه يرى أن الشك والنسيان والزيادة والنقصان مأمونة في سورة الحمد، لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد لأجل الصلاة «٣».

٣ - أنها رواية آحاد، فهي لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر، والعبرة في التواتر أن يروى عن جمع يحيل العقل تواطئهم على الكذب، لا أن يخالف فيه مخالف، فظن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن لا يطعن في قرآنيتهما ولا ينقض تواتر القرآن.

٤ - ويحتمل أن إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين والفاتحة- على فرض صحته- كان قبل علمه بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أذن في كتابتهما، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، فتوقف في أمرهما، فلما تبين له قرآنيتهما بعد وتيقنه، رجع إلى رأي الجماعة، وانعقد الإجماع على قرآنيتهما.

ولعل هذا الجواب هو الذي تستريح إليه النفس، لأن قراءة عاصم عن


(١) مسند الإمام أحمد، رقم (٢١٢٢٧): ٥/ ١٣٠.
(٢) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء، رقم (٢٧٠٨): ٤/ ٢٠٨٠.
(٣) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٧٥ - ٢٧٦؛ والمدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة: ٢٥٩.

<<  <   >  >>