الفصل الرابع: شبهات حول القرآن. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: شبهات المستشرقين. أوردها في ٢٧ صفحة تعرض فيها لعشر شبه، قسمها على ثلاث مطالب، وأجاب عنها:
**المطلب الأول: حول جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. أورد فيه أربع شبه:
١ - أن في طريقة كتابة المصحف ما يدل على أنه قد سقط منه شيء لم يكتب. بدليل ما ورد في الصحيحين من رواية: "رحم الله فلانا لقد أذكرني كذا وكذا آية، من سورة كذا " وفي رواية "أسقطتهن". والجواب عنها: أن الرسول عليه السلام قد حفظها قبل أن يحفظها ذلك الرجل، واستكتبها كتاب الوحي، وبلغها للناس. وجمهور المحققين كما ذكر ابن حجر على جواز النسيان عليه فيما طريقة التبليغ. لكن بشرطين: أنه بعدما يقع منه تبليغه. والآخر: أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكره إما بنفسه أو بغيره.
٢ - أن القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب كاملا. بدليل ما جاء عن زيد "قبض رسول الله ولم يجمع القرآن في شيء". والجواب عنها: أن المراد لم يجمع في مصحف واحد، لما كان ينتظره عليه السلام من الوحي، ومن النسخ، أما كتابته فشيء آخر، تم على أكمل وجه.
٣ - أن الكتابة لم تبدأ إلا في المدينة. وعليه فما نزل بمكة لم يحفظ. والجواب عنها: أنها دعوى عارية عن الدليل، بل هي مجرد تكهن وتخمين، وما أسلام عمر إلا بسبب قراءته رقعة كتب عليها سورة طه.
٤ - اضطراب وعدم ثبات النص القرآني. والجواب عنها: أنهم يعنون القراءات المتواترة، المقطوع بصحة نسبتها إلى رسول الله عليه السلام. وقد تم شرح المراد بالأحرف السبعة فلا داعي لإعادته. ثم إن المنصفين منهم أدركوا هذه الحقيقة وعرفوها فلم يكابروا، فهذا موريس بوكاي يقول:"صحة القرآن التي لا تقبل الجدل، تعطي النص مكانة خاصة بين كتب التنزيل، ولا يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة، لا العهد الجديد ولا العهد القديم".
**المطلب الثاني: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد أبي بكر. وقد أورد المؤلف فيه شبهتان:
١ - أن نصوص الوحي لم تفرز بشكل نهائي في عهد النبي عليه السلام ولم تحفظ. والجواب: أنها فرية كبرى، وهي محض اختلاق وافتراء وكذب. لا تعتمد على منهج علمي متجرد، بل صادرة عن هوى وتحامل، فلا يلتفت إليها.
٢ - أن هدف الجمع كان مجرد رغبة شخصية من أبي بكر ثم عمر رضي الله عنهما، بتملك نسخة من المصحف، حتى لا يكونوا أقل حالا من غيرهم. بدليل انتقاله لحفصة رضي الله عنها على أنها ذمة مالية شخصية. والجواب عنها: أن الهدف النهائي من هذه الشبهة، هو إضفاء الشخصية والفردية على هذا الجمع، ليفتقد القرآن صفة التواتر المطلوبة. لكن أنى لهم ذلك! فالمصادر تشير إلى حفظ العمرين لكتاب الله تعالى عن ظهر قلب، وتلك لعمري منقبة أعظم. فما القيمة لنسخة من القرآن، عند رجلين جمعاه حفظا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم كيف ينتقل من أبي بكر إلى عمر وهو لا يرثه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
**المطلب الثالث: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد عثمان. وقد أورد فيه أربع شبه تقريبا:
١ - أنه لا يتضمن الوحي وحده، بل فيه من الإضافات التفسيرية والتذييلات قدرا لا بأس به.
٢ - أنه فرض على المسلمين بالقوة، وقد جابهوه بالمقاومة.
٣ - أن مصاحف الصحابة كانت تختلف معه، فلم يعتمد فيه عليها.
والجواب: أنها افتراءات يتمحلها المستشرقين، محاولة منهم للتشكيك في القرآن الكريم.
وأما الشبهة الأخيرة. فالجواب عنها: أن تلك المصاحف التي يقصدون، هي مصاحف شخصية لبعض الصحابة. ربما كتبوا فيها بعض التفسير. وفيها ما تلقوه ولم يعلموا بنسخه في العرضة الأخيرة. بدليل أن القراء الذين تلقوا قراءاتهم على أصحاب تلك المصاحف، لم ينقلوا عنهم قراءة تخالف ما يحتمله رسم المصحف الإمام الذي كتب في عهد عثمان، وحظي بإجماع الصحابة جميعا.
المبحث الثاني: دراسة روايات في كتب أهل السنة يساء فهمها في صحة نقل القرآن.
أورد فيه الباحث اثنا عشر حديثا وأثرا، منها نسخ آية الرجم، ونسخ عشر رضعات، وسورتي الخلع والحفد، وغيرها مما نسخت تلاوته، واستغله بعض الرافضة كالخوئي للطعن في القرآن، والقول بأن الصحابة كان يحذفون منه ما يريدون ويتركون ما يحبون.
والجواب: أن نسخ التلاوة جائز عقلا، وواقع شرعا، بالأدلة الصريحة من كتاب الله تعالى، بل إن كبار علماء الشيعة اعترفوا بهذا النسخ، واستدلوا بهذه الآيات على أنها مما نسخت تلاوته، كأبي محمد الطوسي شيخ الطائفة والكليني في الكافي والمجلسي والطبرسي في تفسيره وغيرهم. والله أعلم.
ـ[وأخيرا فلي ملاحظات عامة على البحث:]ـ
الأولى: أن هذا البحث هو ممسك من علمين بطرف، هما: علوم القرآن والحديث. لكنه أقرب إلى الحديث ودراسة الأسانيد منه إلى علوم القرآن. وقد جاءت دراسة أسانيده والحكم عليها وتخريجها مختصرة جدا. وهذا يلحظه المتتبع لتلك المرويات، ولا يزال الميدان رحبا لمن يريد الخوض فيه.
الثانية: ذكر الباحث ثلاث مراحل مر بها جمع القران وقد تابع فيها كثيرا ممن سبقه. وأرى ـ حسب وجهة نظري ـ أن هناك مرحلتان متقدمتان عليهما في الجمع لابد من ذكرهما لم يتعرض لهما ويمكن أن نستدل بهاتين المرحلتين على أن فيهما إشارة إلى مشروعية وأهمية الجمعين معا (الصدور والسطور):
الأولى: حين نزل مجموعا إلى بيت العزة في السماء الدنيا كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه. ولهذا الجمع فوائد منها: بيان أفضلية القرآن فهو يشترك مع الكتب السابقة في نزوله جملة واحدة ولا تفضل عليه فيها، ثم هو يتميز عنها بنزوله بعد ذلك منجما، فكان له النزولان جميعا.
الثانية: جمعه في صدر النبي عليه السلام. وهي مرحلة سابقة لكتابة النبي عليه الصلاة والسلام وحفظ الصحابة له، وقد دل على هذا الجمع قوله تعالى: "إن علينا جمعه وقرآنه" فهو جمع من الله تعالى له في صدر نبيه عليه السلام منة من الله وفضلا بدون تعب من النبي عليه السلام أو بذل جهد لحفظه، وتلك خاصية اختص بها دون سائر الأمة. وهاتان المرحلتان ليس للبشر فيهما يد. ثم جاءت المرحلة الثالثة بعد ذلك وهي جمعه عليه السلام له في الصحف كتابة.
الثالثة: بذل الباحث وفقه الله جهد مشكورا وطرق موضوعا رائعا جديرا بالبحث حاول أعداء الدين التسلل من خلاله للنيل من دستور المسلمين ومحاولة التشكيك فيه وقد وفق في عرض شبههم والجواب عنها بأجوبة قريبة يستوعبها كل من يطلع عليها.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،