من الوزراء في التاريخ الإسلامي الذين عرفوا بالفضيلة رجاء بن حيوة، ورجاء هذا كان وزيراً لـ عبد الملك بن مروان، ثم للوليد، فكان مقرباً من عبد الملك ثم من الوليد، ثم جاءت خلافة سليمان بن عبد الملك، وسليمان لم يكتب له أن يعمر، فقد توفي بعد الأربعين بقليل جاء مكة، ثم ذهب إلى الطائف، ثم دخل يغتسل فلبس ثياباً حسنة فأعجبته نفسه وهو ينظر للمرآة فقال: كان أبو بكر صديقاً، وكان عمر فاروقاً، وكان عثمان حيياً، ولم يقل في علي شيء لما بين بني أمية وبين علي، وكان معاوية حليماً وكان عبد الملك سائساً وكان الوليد جباراً وأنا الملك الشاب، وبقدر الله التفت إلى جارية من جواريه وقال: ما ترين في؟ -فقد أعجبته نفسه لأنه أمير المؤمنين وهو في الأربعين- فقالت له قدراً: أنت نعم المتاع لولا أنك فانٍ -يعني: تموت- فاستشاط غضباً من كلامها، ومكث بعدها ثلاثة أو أربعة أيام ومات.
الذي يعنينا أن وزيره كان رجاء بن حيوة، وكان سليمان له أخوان: يزيد وهشام بالترتيب، وله ابن عم اسمه عمر بن عبد العزيز، فكان رجاء يتمنى أن يلي الخلافة عمر لما يعرف فيه من فضل، ولا يريدها في يزيد ولا في هشام ولا يريدها من باب أولى في أبناء سليمان، فلما شعر سليمان بدنو أجله قال لـ رجاء: أكتب من بعدي كتاباً لابني فلان، قال: يا أمير المؤمنين ابنك هذا في الجهاد ولا ندري يعود أو لا يعود، وأخذ يلاطفه، قال: إذاً أكتب لابني أيوب، قال: هذا صغير لا يتولى الملك، قال: إذاً لمن يا رجاء؟ قال: اكتب لـ عمر بن عبد العزيز، قال: لن يرضى أبناء عبد الملك يعني: يزيد وهشام، قال: يا أمير المؤمنين اجعلهما بعده، يعني: اكتب في الكتاب أن الخلافة لـ عمر بن عبد العزيز ومن بعده لـ يزيد وهشام فسيرضيان، فوافق سليمان بقدر الله وكتب الكتاب، وآلت الخلافة لـ عمر بن عبد العزيز، فكل ما صنعه عمر بن عبد العزيز سيجعل في ميزان رجاء بن حيوة الذي أشار على سليمان أن يوليه الخلافة.
هذا استطراد يبين أهمية أن يكون مستشار الإنسان عاقلاً، لكن المستشار لا يشير على من يستشيره بأمور لا يمكن أن تتحقق، فالإنسان إذا أراد لقوله أن ينفذ ولمشورته أن تقع لابد أن تكون واقعية، فهذا رجاء ما قال لـ سليمان: اجعلها في فلان من الصالحين، كخطيب جمعة أو إمام أو عالم؛ لأن الأمويين لن يرضوا بهذا، لكن جعلها فيهم من أبناء عمهم.