ذكر الله جل وعلا في سورة لقمان وصاياه لابنه، وليس المقام مقام تفسيرها، لكن جملة نقول: إن لقمان جمع في وصاياه أصول الشريعة الأربعة: الاعتقادات، وهذا في قوله:{لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}[لقمان:١٣].
وأدب المعاملة في قوله:{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}[لقمان:١٨].
لقمان:١٩ والأدب مع النفس في قوله: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}[لقمان:١٩] وقوله: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}[لقمان:١٩]، وقوله:{إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان:١٩].
وحُفِظ عن لقمان أقوال في غير القرآن، فـ لقمان شخصية حكيمة شهيرة؛ ولهذا خاطب الله القرشيين به لأنهم يعلمون به ويسمعون عنه، فهو شخصية حكيمة شهيرة معروفة لدى الأمم؛ ولهذا نزل القرآن بخبره وقصته، ومما حُفِظ عنه أنه قال: ثمان حفظتها عن الأنبياء: إذا كنت في الصلاة فاحفظ قلبك، وإن كنت في الطعام فاحفظ بطنك، وإذا كنت في بيت غيرك فاحفظ عينيك، وإذا كنت في الناس فاحفظ لسانك، واذكر اثنتين وانس اثنتين: اذكر الله، واذكر الموت -أي: لا تغفل عن ذكر الله ولا عن ذكر الموت- وانس إحسانك إلى الغير، وإساءة الغير إليك.
ونسيان الإساءة من الغير ونسيان الإحسان إليهم يندرج في باب المروءة والمروءة باب طويل جداً، وقل ما يؤلف أحد فيه، وقديماً ذكرت المروءة في بعض الكتب كعيون الأخبار لـ ابن قتيبة، وأشار إليها ابن عبد ربه في العقد الفريد، وقل ما أفردها أحد بكتاب، لكن أفردها في هذا العصر الشيخ مشهور بن حسن سلمان أحد تلامذة العلامة الألباني، وهو من كبار المؤلفين في العصر الحاضر، وهو رجل ذو علم كثير، له كتاب اسمه المروءة مطبوع مشهور فاقتناؤه لطلبة العلم ينفع كثيراً، وللشيخ كذلك مؤلفات أخر، لكن هذا الذي يعنينا في مقامنا هذا.
هذا ما أوصى به لقمان في وصاياه التي نقلت في غير القرآن، كما أن من وصاياه التي نقلت في غير القرآن أنه أوصى ابنه فقال: أي بني! إياك والتقنع -وهو ما يسميه العامة اليوم التلثم- فإنه مخوفة بالليل مذلة بالنهار، وفي بعض الروايات: ريبة في النهار.
وقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه رأى رجلاً متلثماً مقنعاً فقال له: أما علمت أن لقمان يقول: إن التقنع ريبة بالنهار مخوفة بالليل، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن لقمان لم يكن عليه دين، وذلك أن ما جعله يتقنع ويتلثم خوفه من مطالبة الدائنين له، وهذا أمر ظاهر في الحياة الاجتماعية بين الناس.