عرفات والمشعر الحرام ذكرهما الله جل وعلا في آية واحدة قال ربنا:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٩٨].
وعلى وجه التفصيل: هما مكانان مباركان متجاوران لا يفصل بينهما شيء إلا أن الفرق بينهما: أن عرفات من الحل والمشعر الحرام من الحرم، ولهذا قال الله:((الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)) ولم يقل عرفات الحرام، ويترتب على هذا أن أهل مكة أو من كان في مكة ويريد العمرة يحرم من الحل من خارج مكة، فلو أحرم من عرفات صح، ولو أحرم من مزدلفة لم يصح، ولو أحرم من أي مكان في عرفات أو غيرها من الحل جاز، لكن إن أحرم من مزدلفة لا يصح؛ لأن مزدلفة من الحرم هذا الفرق الأول.
الفرق الثاني: الوقوف بعرفة ركن بإجماع العلماء، أما المبيت في مزدلفة فمختلف فيه، والأشهر أنه واجب عند جماهير العلماء.
عرفة كل ليلة تنسب لصبيحتها إلا عشية عرفة تنسب ليومها فليلة العيد لا تسمى ليلة عيد، بل تسمى عشية عرفة؛ لأن الوقوف بعرفة يبدأ من زوال الشمس إلى طلوع فجر يوم العيد، فلو أن فجر يوم العيد الأضحى في عامنا هذا مثلاً يؤذن الساعة الخامسة وثلاثين دقيقة فمر إنسان على عرفة محرماً يريد الحج الساعة الخامسة وتسع وعشرين دقيقة فقد أدرك الحج؛ (لأن عروة بن مضرس من حائل قدم على بغلته وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم في مزدلفة قال: يا نبي الله أتيتك من جبلي طي -وجبلي طي هما أجا وسلمى في حائل- أجهدت نفسي وأكللت راحلتي، ما تركت جبلاً إلا وقفت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: من صلى معنا صلاتنا هذه -يعني: صلاة الفجر في مزدلفة- وكان قد وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى نسكه) فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بصحة الحج لكل من مر على عرفة ولو ساعة من نهار، وهذا لا خلاف فيه.
قال مالك رحمه الله: إن الإنسان إذا نفر من عرفة قبل الغروب -بمعنى أنه وقف بعد الزوال لكنه ذهب إلى مزدلفة قبل الغروب- فلا حج له، لكن قال ابن عبد البر رحمه الله -وهو مالكي مشهور-: لم يوافق أحد من العلماء مالكاً في هذا فلا يعتد بهذا القول وإن قاله مالك والجمهور: على أن حجه صحيح لكن اختلفوا هل عليه دم أم لا؟ هذا ما سيأتي إن شاء الله في شرحنا لحديث جابر.
هذا ما يتعلق بأحكام يوم عرفة.
عرفات جاءت في القرآن بصيغة الجمع قال تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}[البقرة:١٩٨]، والتنوين في عرفات يسميه النحويون تنوين المقابلة، أي: مقابلة النون في جمع المذكر السالم، وجاءت في الحديث مفردة قال صلى الله عليه وسلم:(الحج عرفة)، وقال:(وقفت ههنا وعرفة كلها موقف).