[المراد بنفي الإيمان عمن ارتكب بعض المعاصي]
[فإن قال قائل: كيف يجوز أن يقال: ليس بمؤمن، واسم الإيمان غير زائل عنه؟].
"غير زائل عنه" أي: من جهة أصله وليس من جهة كماله، وهذا فرع عن قول السلف: "إن الإيمان يزيد وينقص".
[قيل: هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنهم يقولون للصانعِ إذا كان ليس بمحكمٍ لعمله: ما صنعت شيئاً، ولا عملت عملاً، وإنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عاملٌ بالاسم، وغير عامل في الإتقان، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا، وذلك كرجلٍ يعق أباه ويبلغ منه الأذى، فيقال: ما هو بولد، وهم يعلمون أنه ابنه من صلبه.
ثم يقال مثله في الأخ والزوجة والمملوك وأنما مذهبهم في هذا المزايلة من الأعمال الواجبة عليهم من الطاعة والبر.
وأما النكاح والرق والأنساب، فعلى ما كانت عليه أمكانها وأسماؤها، فكذلك هذه الذنوب التي ينفى بها الإيمان، إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع التي هي من صفاته، فأما الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك ولا يقال لهم: إلا مؤمنون، وبه الحكم عليهم].
هذا الكلام يبين أن سبب استشكال كثير من المتأخرين -حتى من أهل السنة- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) وأمثاله من النصوص إنما هو فساد اللغة، ولهذا وقفوا عند هذا الحديث على قدرٍ من التخريجات، وكل تخريج يُورَد عليه سؤالات وإشكالات ومعارضات، حتى لا يبقى إلا وجه مقارب.
والأصل في شرح هذه الأسماء: أنها لا تقال بنوعٍ من الترجيح والظن والاحتمال والتقوية، بل تقال بتفسيرٍ واحدٍ صحيحٍ، فليس هناك مادة لمسألة التردد والاحتمال من جنس ما يقع في تفسير المسائل الفقهية الواقعة في باب العبادات والمعاملات وأمثال ذلك؛ لأن هذه الأسماء أسماء محققة المعاني وليست من محتمل المعاني، ولهذا لم يكن الصحابة يستشكلون مثل هذه الأحرف.
وهذه قاعدة لابد لطالب العلم أن يتفطن لها، وهو أن الصحابة قد سألوا سؤالات في مواضع للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما نهوا عنه من سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن لما يتحصل به الفقه للدين.
فمن يقول: إن معنى قول أنس وغيره: (نهينا أن نسأل رسول الله عن شيء)، أنهم كانوا ينهون عن السؤال مطلقاً ..
فهذا غلط على الصحابة.
فالصحابة إنما نهوا عن السؤال عما سُكت عنه، أو عما لم يأت أمره
إلى أمثال ذلك، أما أنهم نهوا عن السؤال في أمرٍ لم يفقهوه، بل يسمعون الأحاديث أو يسمعون القرآن ويترددون في المعاني، ويستشكلونها، ومع ذلك أمروا ألا يستفصلوا ولا يتفقهوا ..
فهذا ليس بصحيح، ولا يجوز أن يضاف إلى نبوة نبي من الأنبياء فضلاً عن نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
إذاً: كان سكوت الصحابة في هذه الأحرف لأنها أحرف بينة، وليست مشتبهة، فهم سكتوا عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) لأنهم عرب، والعرب يقولون عن الرجل: ليس بشجاع، مع أنه شجاع، أو ليس بعادل مع أنه يعدل أحياناً، لكن لما ترك العدل في هذه القضية قيل: ليس بعادل ..
وهلم جرا.
إذاً: مسألة اللغة أصل في التفسير.