[أقوال الطوائف المخالفة للسلف في باب الإيمان]
[فقالت الجهمية: الإيمان معرفة الله بالقلب، وإن لم يكن معها شهادة لسان، ولا إقرار بنبوة، ولا شيء من أداء الفرائض! احتجوا في ذلك بإيمان الملائكة فقالوا: قد كانوا مؤمنين قبل أن يخلق الله الرسل.
وقالت المعتزلة: الإيمان بالقلب واللسان مع اجتناب الكبائر، فمن قارف شيئاً كبيراً زال عنه الإيمان، ولم يلحق بالكفر، فسمي فاسقاً ليس بمؤمن ولا كافر، إلا أن أحكام الإيمان جارية عليه!
وقالت الإباضية: الإيمان جماع الطاعات، فمن ترك شيئاً كان كافر نعمة وليس بكافر شرك، واحتجوا بالآية التي في إبراهيم: {بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً} [إبراهيم:٢٨].
وقالت الصفرية: مثل ذلك في الإيمان أنه جميع الطاعات، غير أنهم قالوا في المعاصي صغارها وكبارها كفر وشرك ما فيه إلا المغفور منها خاصة.
وقالت الفضلية: مثل ذلك في الإيمان أنه أيضاً جميع الطاعات، إلا أنهم جعلوا المعاصي كلها ما غفر منها وما لم يغفر كفراً وشركاً، قالوا: لأن الله جل ثناؤه لو عذبهم عليها كان غير ظالم لقوله: {لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:١٥ - ١٦].
وهذه الأصناف الثلاثة من فرق الخوارج معاً، إلا أنهم اختلفوا في الإيمان، وقد وافقت الشيعة فرقتين منهم، ووافقت الرافضة المعتزلة، ووافقت الزيدية الإباضية.
وكل هذه الأصناف يكسر قولهم ما وصفنا به (باب الخروج من الإيمان بالذنوب)، إلا الجهمية؛ فإن الكاسر لقولهم قول أهل الملة، وتكذيب القرآن إياهم حين قال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] وقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:١٤] فأخبر الله عنهم بالكفر إذ أنكروا بالألسنة، وقد كانت قلوبهم بها عارفة، ثم أخبر الله عز وجل عن إبليس أنه كان من الكافرين، وهو عارف بالله بقلبه ولسانه أيضاً، في أشياء كثيرة يطول ذكرها، كلها ترد قولهم أشد الرد، وتبطله أقبح الإبطال].
أي: أن قول الجهمية شر الأقوال؛ ولهذا قال شيخ الإسلام: "إن شر قولٍ قيل في مسألة الإيمان هو قول الجهمية".
حتى عده من عده من السلف كفراً، كما ذكر ذلك ابن مهدي ووكيع والإمام أحمد وغيرهم.
وفي ختم هذه الرسالة أوصي الإخوة القراء بالعناية بهذه الرسالة، وإننا لنعجب من بعض طلبة العلم، حيث قد يقرأ بعض المختصرات المتأخرة في العقيدة، ولربما أعادها على أكثر من شيخ، ولربما قرأ لها أكثر من شرح وأطال النظر فيها، مع أنها قد تكون حقائق مجملة عامة.
وهذه الرسالة -ولا سيما في هذه المسألة- تعد من أشرف الرسائل السلفية؛ لأن إمامها ذو علم بالحديث، وكذلك هو إمام في اللغة، وهذه مسألة أصل في مسألة الإيمان؛ لأن مبناها على لغة العرب مهم.
فهذا الإمام:
أولاً: إمام سلفي متقدم.
ثانياً: إمام أحسن التوصيف لهذه المسألة، وكذلك التفصيل للفرق بين قول مرجئة الفقهاء وقول غيرهم.
ثالثاً: إمام في اللغة
إلى آخر ذلك.
فهذه الرسالة من الرسائل التي ينبغي لطلبة العلم أن يعتنوا بها قراءةً وشرحاً وتدبراً.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.