[مسائل متعلقة بذم السلف لأهل البدع]
ذم السلف لأهل البدع سنة سلفية ماضية، لكن ينبه فيه إلى مسائل، سواء كان الذم في مسألة الإيمان أو غيرها:
المسألة الأولى: أن بعض الناقلين لأقوال السلف زادوا عليها في الذم، كنقل أبي إسماعيل الأنصاري الهروي رحمه الله في كتابه: ذم الكلام، فإنه زاد في بعض كلام السلف، أو في النقل عنهم، وهو لم يزد عليهم كذباً ولكنه زاد عليهم تفسيراً.
وهذا يبين أن بعض المتأخرين المنتصرين لمذهب أهل السنة، ممن لم يحقق طريقة الأئمة في هذا الباب، يزيدون بفهمهم لمذهب السلف في ذم المخالفين، وقد نص ابن تيمية رحمه الله على أن أبا إسماعيل قد زاد في ذم المخالفين من الجهمية وغيرهم وتكفيرهم.
المسألة الثانية: أنه درج في ذم السلف لأهل البدع لفظ التكفير، ولا سيما إذا تكلموا في ذم المخالفين في باب الإلهيات -باب الأسماء والصفات- كالجهمية ومن أنكر الصفات أو عطلها، وعلى جملة من المخطئين في مسائل أخرى من مسائل القدر أو مسائل الإيمان، كتكفيرهم لقول جهم بن صفوان في مسألة الإيمان ونحو ذلك ..
فهذا التكفير حكم على هذه المذاهب في الجملة بأنها كفر، وإن كان لا يلزم من ذلك أن أصحابها يكونون كفاراً.
وسيأتي شرح هذه المسألة -إن شاء الله- مستوفى في شرح حديث الافتراق.
المسألة الثالثة: أن بعض المصنفين من أهل السنة يذكر باباً في مصنفه لمثل هذا القول -وهو الذم لأهل البدع أو للمخالفين- ويروي في صدره شيئاً يُرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كحديث: (القدرية مجوس هذه الأمة) وغيرها من الأحاديث المرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي صرحت باسم بعض طوائف أهل البدع كالقدرية، أو الرافضة، أو المرجئة ..
والتحقيق فيها أنه لم يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث واحد في تسمية أية طائفة بدعية، لا القدرية ولا المرجئة ولا الرافضة ولا المعتزلة ولا الجهمية، ولهذا لم يعتبرها الأئمة كـ أحمد وأمثاله في ذم أهل البدع، إنما يرويه بعض المتأخرين وبعض من هو دون هذا القدر ممن صنف في السنة والجماعة.
أما ما ورد من ذم عن بعض الصحابة فلاشك أن بعضه صحيحاً، ولاسيما ذم القدرية؛ فإنه محفوظ عن عبد الله بن عمر وأمثاله.
والمقصود: أن هذه الأحاديث من حيث هي مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منها شيء، إنما الثابت في وصف النبي صلى الله عليه وسلم هو وصفه للخوارج، وهو حديث متواتر متفق عليه.