[الفروق بين مذهب مرجئة الفقهاء ومذهب السلف في مسألة الإيمان]
أما الفروقات بين مذهب حماد بن أبي سليمان وبين مذهب العامة من السلف فهي كالتالي:
أولاً: قد تقدم أن في المسألة إجماعاً قطعياً من السلف قبل ظهور مقالة حماد، ولهذا نقول: هو قول السواد أو الجمهور من السلف باعتبار، ولكن إذا قررنا الإجماع قيل: القول بأن الإيمان قول وعمل، وأن العمل داخل في مسمى الإيمان، هو إجماع للسلف.
أي: إذا أردنا تقرير الدلائل على هذا القول؛ فإن الدلائل على أن الإيمان قول وعمل وأن العمل داخل في الإيمان، الكتاب والسنة والإجماع القطعي، وليس الإجماع الظني أو السكوتي.
فإن قيل: لقد سُمي حماد ومن وافقه من أهل السنة ومن السلف!
قيل: هم كذلك، وهم مخصومون بالإجماع المنضبط الصريح قبلهم؛ ولهذا كان قولهم بدعة، وإلا لو لم يخصموا بالإجماع قبلهم ما كان قولهم بدعة، بل كان من مسائل النزاع والخلاف بين السلف.
ثانياً: أن حماداً ومن وافقه لا يذهبون إلى أن العمل أصل في الإيمان، ولا يُدخلون العمل في مسمى الإيمان، فهم لم يدخلوه في مسمى الإيمان فضلاً عن أن يجعلوه أصلاً، وعلى هذا فإن حماداً ومن وافقه لا يذهبون إلى التكفير بترك العمل سواء كان ترك آحاد من العمل أو ترك جملة العمل.
وهذا الفرق باعتبار جملة العمل هو فرق لازم، أما باعتبار آحاد العمل فإن فيه تفصيلاً تقدمت الإشارة إليه.
ثالثاً: أن حماداً خالف صريح الكتاب والسنة؛ فإن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أدخلا العمل في مسمى الإيمان.
فإن قيل: إن هذه مخالفة لفظية.
قيل: بل هي مخالفة على الحقيقة، فإن تسمية العمل إيماناً ليس أمراً لفظياً، بل له حقيقة شرعية دينية.
رابعاً: أن السلف يذهبون إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وحماداً ومن وافقه يجعلون الإيمان على قدر متوحد، وإن لم يكن قولهم هذا مطرداً من جنس اطراد في قول المتكلمين الذين يجعلون الإيمان واحداً
إلى أمثال ذلك من الفروقات.
ومن نتائج بعض هذه الفروقات أن أبا حنيفة والأحناف لا يكفرون تارك الصلاة؛ لأن الصلاة عمل.
ومن هنا قيل: إن من لم يكفر تارك الصلاة ينظر في مبنى قوله:
فإن كان مبنى قوله أن الصلاة عمل والعمل لا يكفر تاركه، فهذا القول بدعة.
وإن كان معتبر النظر في الأدلة فهذا دائر بين الراجح والمرجوح.