[مسألة عدم تكفير الإمام مالك والشافعي لتارك الصلاة]
من المهم هنا أن ننبه إلى مسألة وهي: أن القول بأن مالكاً والشافعي -كما يقول بعض أهل العلم من المعاصرين- لم يثبت عنهما أنهما لم يكفرا تارك الصلاة وأنه من غلط المتأخرين من أصحابهما، قول ليس بصحيح؛ لأمرين:
الأمر الأول: أن لدى أصحاب مالك إطباقاً -في الجملة- على أن مالكاً لا يكفر تارك الصلاة، فمن المتعذر أن الأصحاب بجملتهم ومحققيهم وطبقاتهم يجمعون على غلط على مالك، بل هذا فيه تكلف وزيادة، وهم علماء وأجلاء وعقلاء، ولاسيما أن كباراً من المالكية القدماء كانوا يذهبون إلى ذلك ويجعلونه مذهباً لإمامهم، فمن المتعذر عقلاً أن يطبق المالكية على قول ومالك بريء منه براءة تامة، بل إن مالكاً يجعله إجماعاً على خلافه.
الأمر الثاني: أن من هو خبير بأقوال الفقهاء والأئمة، وهو من المتقدمين في الجملة، وهو محمد بن نصر، والذي يعتبر من أضبط الناس للخلاف، وقد أشاد به ابن تيمية رحمه الله وقال عنه: "إنه من أضبط الناس لأقوال الأئمة وخلافهم" يقرر أن هذا قول معروف لـ مالك وجملة من السلف؛ وهو أنهم لا يذهبون إلى كفر تارك الصلاة.
إذاً من يقول: إن هذا غلط من متأخري المالكية ..
قوله هذا ليس بصحيح، بل هو توارد عند المالكية وتوارد عند الشافعية، وإن كان هذا المذهب مرجوحاً، لكنه مذهب محفوظ وباق؛ مما يجعل المسألة لا يمكن أن تعد من الأصول التي يبدع فيها المخالف.
ويلزم من يقول: إن الصلاة مجمع عليها أن يكون مالك خالف إجماع السلف، وأن يكون قوله فرعاً عن قول المرجئة
وما إلى ذلك؛ كما قيل عن حماد بن أبي سليمان.
وهذه اللزومات ما نطق بها أحد من المحققين لا عن مالك ولا عن الشافعي.
وكذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله لم ينكر الخلاف، مع أنه ينتصر لكون ترك الصلاة كفراً، إلا أنه يقر في الجملة بهذا الخلاف، ولا يطعن فيه، وإنما يطعن في مسألة واحدة، وهي: أن من ترك الصلاة -عند الشافعي ومالك - ودعي إليها فإن أبى قتل.
قال: "إن المتأخرين من أصحاب مالك قالوا: يقتل فاسقاً.
قال: وهذا غلط على مالك، بل هذا إذا قتل لابد أن يقتل كافراً كضرورة عقلية، فإنه يمتنع أن يصبر على السيف مقابل أن يؤدي صلاة أو صلاتين مما حضر وقتها .. ".
فهذا ما يقال في هذه المسألة.