للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التلازم بين تصديق القلب وعمل الجوارح]

وتمام هذا المعنى يكون بوجه يفصل به كلامه، وهو يحتاج إلى قدر من التأمل؛ فإن من فقهه بان له أن كل من يقول بأن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان قولهم ممتنع في العقل فضلاً عن كونه غلطاً في الشرع.

وتقرير هذا الوجه يكون بالآتي: أن جميع المرجئة فضلاً عن فقهائهم المقاربين للسنة والجماعة يسلِّمون أن تصديق القلب إيمان وبعضهم يقول: هو الإيمان؟

إذاً مسألة التصديقات لا خلاف بين المسلمين أنها إيمان ..

هذه المقدمة الأولى.

والطرد لها أن يقال: كل عمل من الأعمال الظاهرة كالصلاة والطواف بالبيت والسعي بين الصفاء والمروة والوضوء ونحوها، مركب من تصديق ومن حركة ظاهرة، فإذا انفك أحدهما عن الآخر امتنع ثبوت العمل في نفس الأمر، وبعبارة أوضح: امتنع ثبوت العمل في الخارج، أي: في الوجود.

وسوف نبين هذا الكلام بضرب عدة أمثلة:

المثال الأول: لو أن إنساناً قال: أنا أؤمن بالصلاة وأصدق بحديث النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة.

لكنه لم يفعل ..

هل يسمى مصلياً؟

بإجماع العقلاء أنه لا يسمى مصلياً، ولو كان مصدقاً حافظاً عارفاً بماهية الصلاة.

المثال الثاني: لو أظهر شخص الحركة الظاهرة لا نقول: دون تصديق، بل دون نية ..

هل يسمى فاعلاً للعمل الشرعي؟

الجواب: لا.

فمن باب أولى إذاً فعله دون تصديق.

المثال الثالث: لو فعل شخص فعل الوضوء، لكنه لم يقصد به الوضوء، بل قصد به التبرد ..

هل يجزئه؟

الجواب: لا يجزئه.

المثال الرابع: لو أن شخصاً يبحث عن شخص آخر في المسجد الحرام بين الطائفين، وعند بحثه عنه كان يدور حول الكعبة بحثاً عن صاحبه، هل يسمى طائفاً؟

الجواب: لا يسمى.

المثال الخامس: لو أن شخصاً حنى ظهره أمام مدربه من باب الرياضة أو من باب اللعب أمامه ..

هل يسمى هذا قد فعل الركوع لغير الله؟!

الجواب: لا؛ لأن هذا العمل أصلاً لم تدخل عليه نية العبادة، فضلاً عن مسألة ارتباط هذا بكونه تصديقاً واستجابة لله ورسوله.

ومن هنا يتضح أن الأعمال الشرعية الظاهرة يمكن أن يفعلها بعض الناس على جهة عادية لا يقصد بها فعل العبادة، وفي هذه الحال لا تسمى أعمالاً شرعية يسقط بها الوجوب ويحصل بها الثواب.

وبهذا يظهر أن الأعمال الشرعية مركبة من مادتين:

١ - التصديق والنية وما يتعلق بالقلب.

٢ - والحركة الظاهرة.

وأما أن تقوم الأعمال الشرعية بأحد الجهتين فهذا ممتنع، فإنه إذا وُجد التصديق ولم توجد الحركة الظاهرة فإن فاعل هذا لا يسمى مصلياً ولا طائفاً، وإذا وجدت الحركة الظاهرة ولم تكن عن نية وتصديق واستجابة ..

إلخ، فإنه لا يسمى مصلياً ولا طائفاً ..

إلى غير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>