فهذه هي المعاني الثلاثة التي عليها مدار القرآن المكي. أما بيان ذلك بالتفصيل في سورة المؤمنون؛ فيرى الشاطبي" أن المعاني الثلاثة موجودة فيها على أوضح الوجوه، إلا أنه غلب على نسقها ذكر إنكار الكفار للنبوة التي هي المدخل للمعنيين السابقين، وإنما أنكروا ذلك ترفعا منهم أن يرسل الله عزّ وجلّ إليهم من هو مثلهم أو ينال هذه الرتبة غيرهم .. فجاءت السورة مبينة كمال البشرية، وكيف أنها تستحق الاصطفاء والرفعة، فافتتحت بثلاث جمل: بيان من أفلح من المؤمنين وصفاتهم، ثم انتقلت إلى بيان أصل الإنسان، ثم ذكرت نعم الله التي أعطاها للإنسان وسخرها له تكريما وتشريفا، ثم ذكرت قصص من تقدم من الأمم مع أنبيائهم واستهزائهم بهم لكونهم بشرا. ففي قصة نوح مع قومه: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ [سورة المؤمنون: ٢٤]، ثم أجمل ذكر قوم آخرين أرسل فيهم رسولا منهم فقالوا: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ [سورة المؤمنون: ٣٣]، وفي نفس السورة يخبرنا القرآن الكريم برد فرعون وملئه على موسى وأخيه هارون- عليهما السلام- لما دعواهم إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، فكان جوابهم: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ [سورة المؤمنون:
٤٧].
وكل هذه القصص التي وردت في سورة المؤمنون هي تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم أنه ليس بدعا من الرسل، وأن طريقة التكذيب واحدة، وهي" الغض من رتبة النبوة بوصف البشرية" (١).