للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكيف يجوز أن ينزل القرآن فى وقت واحد. افعلوا كذا ولا تفعلوا .. ولم يفرض الله على عباده أن يحفظوا القرآن كله، ولا أن يختموه فى التعلم، وإنما أنزله ليعملوا بحكمه، ويؤمنوا بمتشابهه، ويأتمروا بأمره، وينتهوا بزجره، ويحفظوا للصلاة مقدار الطاقة ويقرءوا فيها الميسور.

وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم وهم مصابيح الأرض، وقادة الأيام بمنتهى العلم، إنما يقرأ الرجل منهم السورتين والثلاث والأربع، والبعض والشطر من القرآن الا نفرا منهم وفقهم الله لجمعه، وسهل عليهم حفظه ..

وكانت وفود العرب ترد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فيقرئهم شيئا من القرآن فيكون ذلك كافيا لهم.

وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناة ومكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم، وقصة عيسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم، وقصة لوط إلى قوم.

فأراد الله بلطفه ورحمته أن يشهر هذه القصص فى أطراف الأرض، ويلقيها فى كل سمع ويثبتها فى كل قلب، ويزيد الحاضرين فى الإفهام والتحذير ..

وليست القصص كالفروض، لأن كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تنفذ إلى كل قوم بما فرضه الله عليهم من الصلاة، وعددها وأوقاتها والزكاة وسننها، وصوم شهر رمضان وحج البيت، وهذا ما لا تعرف كيفيته من الكتاب .. ولم تكن تنفذ بقصة موسى وعيسى ونوح وغيرهم من الأنبياء، وكان هذا فى صدر الإسلام قبل إكمال الله الدين، فلما نشره الله عز وجل فى كل قطر، وبثه فى آفاق الأرض، وعلم الأكابر الأصاغر، وجمع القرآن بين الثقلين زال هذا المعنى واجتمعت الأنباء فى كل مصر، وعند كل قوم ..

هذه بعض الملامح لتفكير ابن قتيبة وعلمه فيما يتصل بالقرآن. وكل

<<  <   >  >>