حيث كان الكلام مع سفهائهم الذين اعترضوا فى تحويل القبلة فرد عليه بأشياء منها:
إن علماء هم يعلمون أن تحويل القبلة حق من عند الله، وختم آخر هذه الآية بما ختم به آخر تلك من قوله:
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ.
(سورة البقرة الآية ١٤٤) فى امتثال هذا التكليف العظيم الذى هو التحويل من جهة إلى جهة- وذلك هو محض التعبد فالجهات كلها بالنسبة إلى البارى تعالى مستوية فكونه خصها باستقبال هذه زمانا. ونسخ ذلك باستقبال جهة اخرى متأيدة لا يظهر فى ذلك فى بادئ الرأى إلا أنه تعبد محض فلم يبق فى ذلك إلا امتثال ما أمره الله به فأخبره تعالى أنه لا يغفل عن أعمالكم- بل هو المطلع عليها المجازى بالتواب من امتثل أمره- وبالعقاب من خالفه.
وجاء فى قوله (الحقّ من ربّك) - فى المكانين- وفى قوله:(وما الله) - فى المكانين- فحيث نبه على استدلال حكمته بالنظر إلى أفعاله ذكر الرب المقتضى للنعم، لينظر منها إلى النعم ونستدل بها عليه ولما انتهى إلى ذكر الوعيد ذكر لفظ الله المقتضى للعبارة التى من أخل بها استحق اليم العذاب ...
ويقول أبو حيان فى تفسيره الآية السابقة فى النهر الماد:
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ لما امر باستقبال الكعبة وهو عليه السلام مقيم بالمدينة بين تساوى الحالين فى الإقامة والسفر وبين بقوله: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ تساوى جهاتهم وحاله عليه السّلام فى ذلك- وختم هذه الآية بما ختم تلك الآية السابقة مبالغة فى امتثال هذا التكليف العظيم الذى هو تحويل من جهة إلى جهة وهو تعبد محض.