وتلمح من ذلك ما كان لأبي السعود من شخصية اجتماعية ممتازة، وما كان يتحلى به من إيمان قوى وروح طيبة واستمساك صادق بعرى الدين.
ومن ملامح العبقرية عند أبى السعود اشارته الواضحة إلى ما فى أسرار الخلق والايجاد من آيات بينات، ثم قوله:
لكن الاستدلال بتلك الآيات والدلائل، والاستشهاد بتلك الامارات والمخايل، والتنبيه لتلك الاشارات السرية والتفطن لمعانى تلك العبارات العبقرية وما فى تضاعيفها من رموز أسرار القضاء والقدر، وكنوز آثار التعاجيب والعبر، مما لا يطيق به البشر، إلا بتوفيق خلاق القوى والقدر، اذن مدار المراد ليس إلا كلام رب العباد، اذ هو المظهر لتفاصيل الشعائر الدينية، والمفسر لمشكلات الآيات التكوينية، والكاشف عن خفايا حظائر القدس، والمطلع على خبابا سرائر الانس، وبه تكتسب الملكات الفاخرة وبه يتوصل إلى سعادة الدنيا والآخرة.
ثم يبين أنه قرأ عن القرآن الكتب الكثيرة، فاغرم بتفسيرى الكشاف وأنوار التنزيل فقام بخلده نظم درر فرائدهما وترتيب غرر فوائدهما وأن يضيف إليهما ما فى غيرهما من جواهر الحقائق وزواهر الدقائق فكان هذا الكتاب.
ولم يقتصر نشاط أبو السعود على تأليف هذا الكتاب بل ألف غيره من الكتب على ضيق وقته، واتساع نشاطه، ومما نقل فى ذلك أنه ألف تحفة الطلاب فى المناظرة ورسالة فى المسح على الخفين، ورسالة فى مسائل الوقوف، ورسالة فى الأوقاف، وقصة هاروت وماروت.
وكان له إلى جانب أسلوبه البارع فى النثر شعر جميل مطبوع، ومما اشتهر عنه من ذلك قصيدته الميمية التى أولها:
أبعد سليمى مطلب ومرام ... وغير هواها لوعة وغرام
وهيهات أن تثنى إلى غير بابها ... عنان المطايا أو يشد حزام