ذلك الكلام الازلى قالوا كما أنه لم تمتنع رؤية ما ليس بمكيف فكذا لا يستعبد سماع ما ليس بمكيف، وقيل سماع ذلك الكلام محال وانما المسموع هو الحروف والصوت وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ (سورة البقرة: ١٥٣) أى عمل درجات أى على درجات فانتصابه على نزع الخافض وذلك بأن فضله على غيره من وجوه متعددة أو بمراتب متباعدة والظاهر أنه أراد محمدا صلّى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم أوتى ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ثلاثة آلاف آية وأكثر ولو لم يؤت الا القرآن
وحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتى الأنبياء لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات، وفى الحديث (فضلت على الأنبياء بست أوتيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب واحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بى النبيون)، قال فى التأويلات النجمية اعلم أن فضل كل صاحب فضل يكون على قدر استعلاء ضوء نوره لأن الرفعة فى الدرجات على قدر رفعة الاستعلاء كما قال تعالى: وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ (سورة المجادلة: ١١) فالعلم هو الضوء من نور الوحدانية فكلما ازداد العلم زادت الدرجة فناهيك عن هذا المعنى قول النبى عليه السلام فيما يخبر عن المعراج أنه رأى آدم فى السماء الدنيا ويحيى وعيسى فى السماء الثانية ويوسف فى السماء الثالثة وادريس فى السماء الرابعة، وهارون فى السماء الخامسة، وموسى فى السماء السادسة وإبراهيم فى السماء السابعة وعبر النبى عليه السلام حتى رفع إلى سدرة المنتهى ومن ثم إلى قاب قوسين أو أدنى، فهذه الرفعة فى الدرجة فى القرب إلى الحضرة كانت له على قدر قوة ذلك النور فى استعلاء ضوئه وعلى قدر غلبات أنوار التوحيد على ظلمات الوجود كانت مراتب الانبياء بعضهم فوق بعض فلما غلب نور الوحدانية على ظلمة انسانية النبى عليه السلام اضمحلت وتلاشت وفنيت ظلمة وجوده بسطوات تجلى صفات الجمال والجلال فكل نبى بقدر بقية ظلمة وجوده بقى فى مكان من أماكن السموات فانه صلى الله تعالى عليه وسلم ما بقى فى مكان ولا فى الامكان لأنه كان غائبا عن ظلمة