اضراب عن توبيخهم بكراهته وانتقال إلى لومهم بالنفور عما ترغب فيه كل نفس من خيرها أى ليس مكروها بل هو عظة لهم لو اتعظوا أو فخرهم أو متمناهم لأنهم كانوا يقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا من عباد الله المخلصين «فهم عن ذكرهم معرضون» أى بالنكوص عنه وأعاد الذكر تفخيما واضافة لهم لسبقه وفى سورة الأنبياء (ذكر ربهم) لاقتضاء ما قبله له «أم تسألهم خرجا» أى جعلا على أداء الرسالة فلا جل ذلك لا يؤمنون «فخراج ربّك خير» أى عطاؤه «وهو خير الرازقين وانك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون».
أى منحرفون- قال القاشاني: الصراط المستقيم الذى يدعوهم إليه هو طريق التوحيد المستلزم لحصول العدالة فى النفس ووجود المحبة فى القلب وشهود الوحدة والذين يحتجبون عن عالم النور بالظلمات وعن القدس بالرجس إنما هم منهمكون فى الظلم والبغضاء والعداوة والركون إلى الكثرة فلا جرم أنهم عن الصراط ناكبون منحرفون إلى ضده فهو فى واد وهم فى واد وقال الزمخشرى: قد الزمهم الحجة فى هذه الآيات وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذى أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله مخبور سره وعلنه خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم وأنه لم يعرض له حتى يدعى بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ولم يجعل ذلك مسلما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذى هو الصراط المستقيم مع إبراز المكنون من أدوائهم وهو اخلالهم بالتدبر والتأمل واستئثارهم بدين الآباء الضلال من غير برهان وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة وكراهتهم للحق واعراضهم عما فيه حظهم من الذكر.