وفخفخة وزهو وعاد أحب شىء إليه ما كان يبغضه من مطالعة وفهم .. ثم سأل الشيخ عن الطريقة فقال: الاسلام وعن الورد فقال: القرآن، ولم تمض أيام حتى رأى نفسه يطير فى عالم آخر غير الذى كان يعهد، فاتسع له ما كان ضيقا، وصغر عنده من الدنيا ما كان كبيرا، وعظم عنده من أمر العرفان والنزوع بالنفس إلى جانب القدس ما كان صغيرا وتفرقت عنه جميع الهموم ولم يبق إلا هم واحد وهم أن يكون كامل المعرفة، كامل أدب النفس.
ويتابع الشيخ حديثه فيقول:
وفى منتصف شوال من تلك السنة ذهبت إلى الازهر، وداومت على طلب العلم على شيوخه، مع محافظتى على العزلة والبعد عن الناس، حتى كنت استغفر الله إذا كلمت شخصا كلمة لغير ضرورة وفى اواخر كل سنة دراسية كنت اذهب إلى (محلة نصر) لا قيم بها شهرين- من منتصف شعبان إلى منتصف شوال وكنت عند وصولى إلى البلد أجد خال والدى الشيخ درويش قد سبقنى إليه فكان يستمر معى بدراستى القرآن والعلم إلى يوم سفرى.
كان الشيخ يدارسه ويسأل ماذا قرأت؟ ثم يوجهه إلى دراسة علوم أخرى إلى جانب ما يدرس بالأزهر كالمنطق والحساب والهندسة، واستجابة لتوجيهه كان يلتمس هذه العلوم عند من يعرفها فتارة كان يخطئ فى الطلب وأخرى يصيب إلى أن جاء السيد جمال الدين الأفغانى إلى مصر أواخر سنة ١٢٨٦، فوجد عنده ما ابتغاه من العلوم وشاركه فى الدعوة إلى الاصلاح ثم عرض نفسه على مجلس الامتحان فى سنة ١٢٩٤ هجرية للحصول على العالمية فخرج منه بالدرجة الثانية، وصار مدرسا من مدرسى الجامع الأزهر، وأخذ يقرأ العلوم الكلامية والمنطقية وغيرها.
ومع ما وصل إليه فى العلوم ظل يطلب العلم، ويتحدث عن ذلك فيقول:
بدأت بتعلم اللغة الفرنسية عند ما كانت سنى أربعا وأربعين سنة، فبحثت عن معلم فوجدت استاذا لا بأس به، فتعلمت مبادئ اللغة الفرنسية،