وكذلك تقبلوه عند ما جاءهم، فقد أشعر الله قلوبهم الهداية بما آمنوا به من الغيب، وأقاموا الصلاة بالمعنى الذى سبق وانفقوا مما رزقهم الله.
وأما الفرقة الثانية: وهم المؤمنون بما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلم فعلى هدى تشترك فيه تلك الفرقة الاولى لكن على وجه أكمل .. لأنها مؤمنة بالقرآن وعاملة به.
وقوله «على هدى» تعبير يفيد التمكن من الشيء كمتمكن المستقر عليه كقولهم: ركب هواه، ولقد كان افراد تلك الفرقة (أي الأولى) على بصيرة وتمكن من نوع الهدى الذى كانوا عليه، فان كان هذا غير كاف لإسعادهم وفلاحهم فهو كاف لا عدادهم وتأهيلهم لهما بالايمان التفصيلى المنزل ولذلك قبلوه عند ما بلغتهم دعوته.
والى الفرقة الثانية وقعت الاشارة الثانية وأولئك هم المفلحون كما هو ظاهر، وهم المفلحون بالفعل لاتصافهم بالايمان الكامل بالقرآن، وبما تقدمه من الكتب السماوية واليقين بالآخرة- لا مطلق الايمان بالغيب اجمالا .. ويرشد إلى التغاير بين مرجع الاشارتين ترك ضمير الفصل «هم» فى الأولى وذكره فى الثانية ولو كان المشار إليه واحدا لذكر الفعل فى الأولى لأن المؤمنين بالقرآن هم الذين على الهدى الصحيح التام فهو خاص بهم دون سواهم لكنه اكتفى عن التنصيص على تمكنهم من الهدى بحصر الفلاح فيهم.
ومادة الفلح تفيد فى الأصل معنى الشق والقطع .. ويطلق الفلاح والفلح على الفوز بالمطلوب، ولكن لا يقال: افلح الرجل إذا فاز بمرغوبة عفوا من غير تعب ولا معاناة، بل لا بد فى تحقيق المعنى اللغوى لهذه المادة من السعى إلى الرغبة والاجتهاد لإدراكها، فهؤلاء ما كانوا مفلحين إلا بالإيمان بما أنزل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله، واتباع هذا الايمان بامتثال الأوامر واجتناب النواهى التى نيط بها الوعد والوعيد فيما انزل إليه صلّى الله عليه وسلم مع اليقين بالجزاء على جميع ذلك فى الآخرة ويدخل فى هذا كله ترك الكذب والزور وتزكية النفس من سائر الرذائل كالشر، والطمع والجبن والهلع والبخل والجود والقسوة وما