للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فرجعت إلى ربي وهو في مكانه» (١) . والحديث بطوله مخرج في الصحيحين، والمنكر لهذه اللفظة، بعد ورود الحديث راد على الله ورسوله وفي خطر عظيم.


(١) الحديث الذي أشار إليه المؤلف - رحمه الله - في البخاري (١٣ / ٤٧٨ فتح الباري) من طريق شريك بن عبد الله عن أنس بن مالك في حديث طويل في قصة الإسراء فيه: ". . . فدنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. فعلا به الجبار فقال وهو في مكانه يا رب خفف عنا. . . ".
فائدة: ولقد ذكر الخطابي في نقده لحديث شريك: " في هذا الحديث لفظة أخرى تفرد بها شريك أيضا لم يذكرها غيره وهي قوله. " فعلا به - يعني جبريل - إلى الجبار تعالى وهو في مكانه فقال: يا رب خفف عنا " " لكن قال الحافظ ابن حجر عقبه: " ليس في السياق تصريح بإضافة المكان إلى الله تعالى " فتح الباري (١٣ / ٤٨٤) .
وقد وقع في شرح الطحاوية (ص ٢٤٨) في سياق حديث الإسراء: " فعلا به جبرائيل حتى أتى به إلى الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه " وعزاه للبخاري. وما ذكرته وسقته هو نص البخاري وهو يؤيد ما قاله ابن حجر.
تحقيق حديث شريك:
حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر ذكره مسلم (٢٦٣) من طريقه قال: " سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني وقدّم فيه وأخّر وزاد ونقص " انتهى كلام الإمام مسلم.
قلت: ومنه تعلم أن قول المؤلف عن الحديث إنه مخرج في الصحيحين - يعني بتلك اللفظة - فيه ما فيه.
قلت: خلاصة الأمر في " شريك " أنه " صدوق يخطئ " كما وصفه الحافظ في " التقريب " وقال في " مقدمة الفتح " (ص ٤١٠) بعد ذكر أقوال الأئمة فيه: " احتج به الجماعة إلا أن في روايته عن أنس لحديث الإسراء مواضع شاذة " وقال أيضا في " المقدمة " ص (٣٨٣) عن حديث شريك: " خالف فيه شريك أصحاب أنس في إسناده ومتنه ". قلت: شريك لم يترك ولذا قال في " الفتح " (١٣ / ٤٨٤) : " إن وهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور ولو ترك حديث من وهم في تاريخ لترك حديث جماعة المسلمين " وانظر " تهذيب التهذيب " للبسط في ترجمة شريك.
نعود إلى الحديث، فالحديث قد انتصر له جماعة منهم أبو الفضل بن طاهر فصنف فيه جزءا كما في " مقدمة الفتح " (ص ٣٨٣) .
وتكلم فيه جمع من الحفاظ لتفرد شريك، ولمخالفته غيره، ولاضطرابه، ومن هؤلاء الحفاظ:
١ - مسلم بن الحجاج كما سبق، انظر " صحيحه " (٢٦٣) .
٢ - الخطابي، كما في " فتح الباري " (١٣ / ٤٨٣ - ٤٨٤) .
٣ - ابن حزم كما في " الفتح " (١٣ / ٤٨٤) .
٤ - البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص ٤٤٠ - ٤٤١) .
٥ - القاضي عياض كما في " هدي الساري " (ص ٣٨٣) .
٦ - عبد الحق الأشبيلي كما في " فتح الباري " (١٣ / ٤٨٤) .
٧ - النووي كما في " الفتح " (١٣ / ٤٢) .
٨ - ابن قيم الجوزية في " زاد المعاد " (٣ / ٤٢) .
٩ - ابن كثير في " تفسيره " (٥ / ٥ - ٦) .
١٠ - الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " (ص ٤١٠) ، وقد عدّ لشريك اثني عشر وهما في حديثه انظرها في " الفتح " (١٣ / ٤٨٥ - ٤٨٦) .
قلت: بعد ما تقدم أن شريكا انفرد بألفاظ في حديث الإسراء دون غيره، ومن ذلك اللفظ الذي ذكره المؤلف فلذا لا يثبت منه الرؤية لله رب العالمين ليلة الإسراء لكون الحديث شاذا كما يعلم عند أهل الصناعة ولا ضير على من أنكر ما لم يثبت. وأما إن صح الخبر وثبت فالواجب التسليم، ومن لم يسلم فهو على خطر عظيم كما قال المؤلف. والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>