للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فدل ذلك على أن الذين عنده قريبون إليه، وإن كانت المخلوقات تحت قدرته، فالقائل الذي قال من لا يعتقد أن الله في السماء [فهو ضال] (١) إن أراد بذلك أن الله في جوف السماء بحيث تحصره وتحيط به، فقد أخطأ، ن أراد بذلك من لم يعتقد ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن الله فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، فقد أصاب، فإنه من لم يعتقد ذلك يكون مكذبًا للرسول، متبعا غير سبيل المؤمنين بل يكون في الحقيقة معطلًا لربه نافيًا له فلا يكون له في الحقيقة إله يعبده، ولا رب يسأله ويقصده وهذا قول الجهمية (٢) ونحوهم من أتباع فرعون المعطل.

والله قد فطر العباد، عربهم وعجمهم، على أنهم إذا دعوا الله توجهت قلوبهم إلى العلو، ولا يقصدونه تحت أرجلهم، ولهذا قال بعض العارفين: " لم يقل عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه أن يتحرك لسانه يعني يطلب العلو ولا يلتفت يمنة ولا يسرة " (٣) .

والقائل الذي يقول: " إن الله لا ينحصر في مكان " إن أراد بذلك أن الله لا ينحصر في جوف المخلوقات أو أنه [لا] (٤) يحتاج إلى شيء منها فقد أصاب، وإن أراد أن الله ليس فوق السماوات، ولا هو على العرش، وليس هناك إله


(١) في هذه زيادة اقتضاها السياق.
(٢) نسبة إلى " جهم بن صفوان السمرقندي " الضال المبتدع رأس الجهمية الذي هلك في زمان صغار التابعين. وقد سبق التعليق رقم (٢) أنه أخذ آراءه عن الجعد بن درهم من نفي الصفات والقول بخلق القرآن، وانظر ميزان الاعتدال (١ / ٤٢٦) .
(٣) نقل هذا أبو جعفر الهمداني عندما حضر مجلس أبي معالي الجويني كما في " الاستقامة " لشيخ الإسلام ابن تيمية بتحقيق د. محمد رشاد سالم (١ / ١٦٧) .
(٤) سقطت (لا) من الأصل.

<<  <   >  >>