للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعبد، ومحمد لم يعرج به إلى الله، فهذا جهمي فرعوني معطل. ومنشأ الضلال أن يظن الظان أن صفات الرب كصفات خلقه، فيظن أن الله سبحانه على عرشه كالملك المخلوق على سريره، فهذا تمثيل وضلال، وذلك أن الملك مفتقر إلى سريره، ولو زال سريره لسقط، والله غني عن العرش، وعن كل شيء (١) وكل ما سواه فقير إليه وهو حامل (٢) العرش وحملته، وعلوه لا يوجب افتقاره إليه، فإن الله قد جعل المخلوقات عاليًا وسافلًا، وجعل العالي غنيًا عن السافل، كما جعل الهواء فوق الأرض، وليس هو مفتقرًا إليها، وجعل السماء فوق الهواء، وليست محتاجة إليه، فالعلي الأعلى رب السماوات والأرض وما بينهما أولى أن يكون غنيًا عن العرش وسائر المخلوقات، وإن كان عاليًا عليها سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرا.

والأصل في هذا الباب أن كل ما ثبت في كتاب الله أو سنة رسوله صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم وجب التصديق به، مثل علو الرب، واستوائه على عرشه، ونحو ذلك. وأما الألفاظ


(١) قال تعالى: وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: ١٥] وقال أبو جعفر الطحاوي (ص ٣١٣) " شرح العقيدة الطحاوية ": " وهو مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه وقد أعجز عن الإحاطة خلقه ".
(٢) قال ابن أبي العز في " شرح الطحاوية " (ص ٣١٣) شارحًا قول الطحاوي: " وهو مستغن عن العرش وما دونه. . . ": ". . . وكون العالي فوق السافل لا يلزم أن يكون السافل حاويًا له محيطًا به حاملًا له ولا أن يكون الأعلى مفتقرًا إليه فانظر إلى السماء كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها؟ فالرب أعظم شأنًا وأجل من أن يلزم من علوه ذلك بل لوازم علوه من خصائصه وهي حمله بقدرته للسافل وفقر السافل وغناه هو سبحانه عن السافل وإحاطته عز وجل به فهو فوق العرش مع حمله بقدرته العرش وحملته وغناه عن العرش وفقر العرش إليه وإحاطته بالعرش وعدم إحاطة العرش به وحصره للعرش وعدم حصر العرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق. . . ".

<<  <   >  >>