للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

ومنها: الإِسكندرية في أبنيتها وعجائبها وآثارها، وأجمع الناس أنه ليس في الدنيا مدينة على ثلاث طبقات غيرها، ولما دخلها عبد العزيز بن مروان وهو إذ ذاك أمير مصر، قال لعاملها (١) حين رأى آثارها وعجائبها: أخبرني كم كان عدد أهلها في أيام الروم؟ قال: والله أيها الأمير ما أدرك علم هذا أحد من الملوك قط، ولكن أخبرك كم كان فيها من اليهود، فإن ملك الروم أمر بإحصائهم فكانوا ستمائة ألف. قال: فما هذا الخراب الذي في أطرافها؟ قال: بلغني عن بعض ملوك فارس حين ملكوا مصر، أنه أمر بفرض دينار على كل محتلم لعمران الإسكندرية، فأتاه كبراء أهلها وعلماؤهم، وقالوا: أيها الملك لا تتعب، فإن ذا القرنين الإسكندر أقام على بنائها ثلاثمائة سنة. ولقد أقام أهلها سبعين سنة لا يمشون فيها نهارًا إلا بخرق سود في أيديهم، خوفًا على أبصارهم من شدة بياضها (٢).

ومن فضائلها ما قاله المفسرون من أهل العلم: إنها المدينة التي وصفها الله تعالى في كتابه الكريم، فقال: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: ٧، ٨].

وقال أحمد بن صالح (٣): قال لي سفيان بن عُيَيْنَة: يا مصري، أين تسكن؟ قلت: أسكن الفسطاط، قال: أتأتي الإِسكندرية؟ قلت: نعم، قال لي: تلك كنانة الله يحمل فيها خير سهامه (٤).


(١) في خطط المقريزى ١/ ١٦٢ "سأل رجلا من علماء الروم عنها وعن عدد أهلها".
(٢) الخطط ١/ ١٦٢.
(٣) هو: أحمد بن صالح المصرى أبو جعفر، أحد الحفاظ المبرزين، كان إماما فقيها. سمع من ابن وهب وغيره، روى عنه البخارى وأبو داود. توفى سنة ٢٤٨ هـ (حسن المحاضرة ١/ ٣٠٦).
(٤) حسن المحاضرة ١/ ١٦٤.