للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

الخراج، لما يستجر (١) من البطون (٢).

وذكر ابن عُفَير، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص. سلام عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإني فكرت في بلدك فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، قد أعطى الله أهلها عددًا وجلدًا وقوة في بر وبحر، قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكمًا، مع شدة عتوهم، فعجبت من ذلك، فأحب أن تكتب إلى بصفة مصر كأني أنظر إليها (٣).

فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد بلغني كتابك وقرأته وفهمته، وأما ما ذكرت فيه من صفة مصر، فإن كتابي سيكشف عنك عمى (٤) الخبر، ويرمى على بالك بنافذ البصر، إن مصر وما أحببت أن تعلمه من صفتها، تربة سوداء، وشجرة خضراء بين جبل أغبر ورمل أعفر، قد اكتنفها معدن (٥) رفقها، ومحط رزقها، ما بين أسوان، إلى منشأ البحر، في سح (٦) النهر، مسيرة الراكب شهرًا، كأن ما بين جبلها ورملها بطن أقب (٧)، وظهر أجب، يخط فيه نهر مبارك الغدوات، ميمون البركات، يسيل بالذهب، ويجري بالزيادة والنقصان كمجاري الشمس والقمر، له أيام تسيل إليه عيون الأرض وينابيعها مأمورة بذلك، حتى إذا ربا وطما (٨)،


(١) المستبحر: كل أرض وطيئة نفذ إليها الماء ولم يجد مصرفا حتى فات أوان الزرع والماء باق على الأرض (الخطط ١/ ١٠١).
(٢) المقريزى: الخطط ١/ ٦٠.
(٣) حسن المحاضرة ١/ ١٤٧.
(٤) في: أ "غطاء"، والمثبت في: ب.
(٥) معدن رفقها: موضع عملها.
(٦) سح النهر: تدفقه. ولدى ابن زولاق "تيح النهر" أي تمايله.
(٧) بطن أقب: ضامر. وأجب: مقطوع.
(٨) ربا وطما: زاد وارتفع.