وخرَّج بإسناده عن ابن عباس قال: كان عابدٌ يتعبد في غارٍ، فكان غرابٌ يأتيه كلَّ يوم برغيف يجد فيه طَعْمَ كلِّ شيءٍ حتى مات ذلك العابد.
وعن سعيد بن عبد العزيز، عن بعض مشيخة دمشق، قال: أقامَ إلياسُ هاربًا من قومه في جبل عشرين ليلة، -أو قال: أربعين- تأتيه الغربان برزقه.
وقال سفيان الثوري: قرأ واصلٌ الأحدب هذه الآية: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات: ٢٢]، فقال: ألا إن رزقي في السماء وأنا أطلبُه في الأرض؟ فدخل خَرِبَةً، فمكث ثلاثًا لا يُصيب شيئًا، فلمَّا كان اليومُ الرابع، إذا هو بدَوخَلةٍ من رُطَبٍ، وكان له أخٌ أحسن نيةً منه، فدخل معه، فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتَّى فرق الموتُ بينهما.
ومن هذا الباب من قَوِي توكُّله على الله ووثوقه به، فدخل المفاوزَ بغير زاد، فإنَّه يجوزُ لمن هذه صفته دونَ من لم يبلغ هذه المنزلة، وله في ذلك أسوة بإبراهيم الخليل عليه السَّلام، حيث ترك هاجرَ وابنها إسماعيل بوادٍ غير ذي زرعٍ، وترك عندهما جِرابًا فيه تمرٌ وسِقاءً فيه ماء، فلمَّا تبعته هاجر، وقالت له: إلى من تَدعنا؟ قال لها: إلى الله، قالت: رضيتُ بالله، وهذا كان يفعله بأمر الله ووحيه، فقد يَقذِفُ الله في قلوب بعض أوليائه من الإِلهام الحقِّ ما يعلمون أنه حقٌّ، ويثقون به. قال المروذي: قيل لأبي عبد الله: أيّ شيءٍ صِدقُ التوكل على الله؟ قال: أن يتوكَّل على الله، ولا يكون في قلبه أحدٌ من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيءٍ، فإذا كان كذا، كان الله يرزقه، وكان متوكِّلًا.
قال: وذكرتُ لأبي عبد الله التوكُّل، فأجازه لمن استعملَ فيه الصِّدق.
قال: وسألت أبا عبد الله عن رجلٍ جلس في بيته، ويقول: أجلِسُ وأصبر ولا أُطلع على ذلك أحدًا، وهو يقدِرُ أن يحترف، قال: لو خرَجَ فاحترفَ كان أحبَّ إليَّ، وإذا جلس خفت أن يُخرجه إلى أن يكون يتوقع أن يرسل إليه بشيء. قلت: فإذا كان يبعث إليه بشيءٍ، فلا يأخذ؟ قال: هذا جيد.