للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

وأمَّا النِّيَّةُ بالمعنى الَّذي يذكره الفُقهاءُ، وهو أن تمييزَ العبادات من العاداتِ، وتمييز العباداتِ بعضها مِنْ بعض، فإنَّ الإِمساكَ عن الأكلِ والشُّرب يقعُ تارةً حميةً، وتارةً لعدمِ القُدرةِ على الأكل، وتارةً تركًا للشهواتِ للهِ عزَّ وجلَّ، فيحتاجُ في الصِّيامِ إلى نيَّةٍ ليتميَّزَ بذلك عَنْ تركِ الطَّعامِ على غيرِ هذا الوجه.

وكذلك العباداتُ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ، منها فرضٌ، ومنها نفلٌ.

والفرضُ يتنوَّعُ أنواعًا، فإنَّ الصَّلواتِ المفروضاتِ خمسُ صلواتِ كلَّ يومٍ وليلةٍ، والصَّومُ الواجبُ تارةً يكونُ صيامَ رمضان، وتارةً صيامَ كفَّارةٍ، أو عن نذرٍ، ولا يتميَّزُ هذا كلُّه إلَّا بالنِّيَّةِ، وكذلك الصَّدقةُ، تكونُ نفلًا، وتكونُ فرضًا، والفرضُ منه زكاةٌ، ومنه كفَّارةٌ، ولا يتميَّزُ ذلكَ إلَّا بالنِّيَّةِ، فيدخلُ ذلك في عمومِ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإنَّما لامرئٍ ما نَوى".

وفي بعضِ ذلك اختلافٌ مشهورٌ بينَ العُلماء فإنَّ منهم مَنْ لا يُوجِبُ تعيينَ النِّيَّةِ للصَّلاةِ المفروضَةِ، بل يكفي عندَه أن ينويَ فرضَ الوقتِ، وإنْ لم يستحضِرْ تسميتَه في الحال، وهو روايةٌ عن الإِمام أحمدَ. ويُبنى على هذا القولِ: أن منْ فاتَته صلاةٌ مِنْ يومٍ وليلةٍ، ونسيَ عينَها، أن عليه أن يقضي ثلاثَ صلواتٍ: الفجرَ والمغربَ ورُباعيَّةً واحدة (١).

وكذلك ذهبَ طائفةٌ مِنَ العُلماءِ إلى أن صيامَ رمضانَ لا يحتاجُ إلى نيَّةٍ تعيينية أيضًا، بل تُجزئُ بنيَّة الصِّيامِ مُطلقًا، لأنَّ وقتَه غيرُ قابلٍ لصيامٍ آخر،


(١) قال صاحب "المبدع" ١/ ٣٥٨: وإن نسي صلاة من خمس يجهل عينها صلّى خمسًا نصّ عليه بنيَّة الفرض، وعنه: فجرًا، ثمّ مغربًا، ثمّ رباعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>