الحمدُ لله الذي هدانا لدينِ الإِسلامِ، وأكرمنا بسنة خيرِ الأنامِ، ووفقنا لِطاعته ومرضاته، وصلى الله على سيدنا محمد النَّبيّ الأمي الذي يؤمن بالله وكَلِمَاتِه، بلغ الرِّسالةَ، وأدى الأمانةَ، ونَصَحَ للأُمَّةِ، وعلى آله وأصحابه الأخيار المُنْتَجَبِينَ، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
وبعد، فهذا كتابٌ عظيم حافِل، يتضمَّنُ شرحَ خمسين حديثًا منتقاةٍ من جوامع كلمِهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَندرِجُ تحتها معانٍ كثيرةٌ في ألفاظٍ قليلة، وهي مما خصَّ الله به رسولَه - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أشار الإِمامُ أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي المُتوفَّى سنة (٣٨٨) هـ إلى يسيرٍ من جوامع كَلِمِهِ - صلى الله عليه وسلم - في كتابه "غريب الحديث" ١/ ٦٤ فقال: وقد أمدَّ اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بجوامع الكَلِمِ التي جعلها رِدْءًا لِنبوته، وعَلَمًا لرسالته، لينتظِمَ في القليل منها عِلْمُ الكثيرِ، فَيَسْهُلُ على السامعين حِفظُهُ ولا يؤوْدُهُم حَمْلُهُ، ومن تتبع الجوامع من كلامه، لم يَعْدَم بيانَها، وقد وصفتُ منها ضروبًا، وكتبتُ لك مِن أمثلتها حروفًا تدلُّ على ما وراءها من نظائرها وأخواتها، فمنها في القضايا والأحكام قولُه:"المؤمِنونَ تتكافؤُ دماؤُهم، ويَسعَى بِذِمَّتِهم أدناهُم، وهُمْ يَدٌ على من سِواهم" وقوله: "المنيحةُ مردودةٌ، والعارِيَّة مؤدَّاةٌ، والدَّين مَقضِي، والزَّعيمُ غارِم". فهذان الحديثان على خِفَّةِ ألفاظهما يتضمنان عامةَ أحكام الأنفس والأموال. ومنها قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "سَلُوا الله اليقينَ والعافيةَ". فتأمَّل هذه الوصَيَّة الجامعة تجدها محيطةً بخير الدُّنيا والآخرة، وذلك أن مِلاك أمرِ الآخرةِ اليقينُ، وملاك أمر الدُّنيا العافيةُ، فكُلُّ طاعة لا يقين معها هَدَرٌ، وكل