والَّذين يتكلَّمون على علم المعارف والمعاملات يتكلَّمون على مقام الإحسان، وعلى الأعمال الباطنة التي تدخلُ في الإيمان أيضًا، كالخشية والمحبَّة، والتوكُّلِ، والرِّضا، والصَّبر، ونحو ذلك، فانحصرت العلومُ الشَّرعية التي يتكلَّمُ عليها فِرَقُ المسلمين في هذا الحديث، ورجعت كلُّها إليه، ففي هذا الحديث وحدَه كفايةٌ، ولله الحمدُ والمنَّةُ.
وبقي الكلام على ذكر السَّاعة مِنَ الحَديث.
فقول جبريل عليه السَّلام أخبرني عن السَّاعة، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما المسؤول عنها بأعلمَ من السَّائل" يعني أن علم الخلق كلَّهم في وقتِ السَّاعة سواءٌ، وهذا إشارةٌ إلى أن الله تعالى استأثر بعلمها، ولهذا في حديث أبي هريرة: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في خمسٍ لا يعلمهُنَّ إلَّا الله تعالى، ثم تلا:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[لقمان: ٣٤]، وقال الله عزَّ وجلَّ:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}[الأعراف: ١٨٧].
وفي "صحيح البخاري"(١) عن ابن عمر عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"مفاتيحُ الغيبِ خمسٌ لا يعلمها إلَّا الله" ثم قرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية.
وخرَّجه الإمام أحمد، ولفظه: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أوتيت مفاتيح كلِّ شيءٍ
(١) برقم (١٠٣٩) و (٤٦٢٧) و (٤٦٩٧) و (٤٧٧٨) و (٧٣٧٩)، ورواه أحمد ٢/ ٢٤ و ٥٢ و ٥٨ و ٨٦، والنسائي في النعوت من الكبرى كما في "التحفة" ٩١/ ٣٦٥، وصححه ابن حبان (٧٠) و (٧١).