وذهب طائفة من الفقهاء في العتق إلى أنه يعتق مِنْ كلّ عبدٍ ثلثه، ويستسعون في الباقي، واتباع قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحقُّ وأولى، والقاسم نظر إلى أن في مشاركة الموصى له للورثة في المساكن كُلِّها ضررًا عليهم، فيدفع عنهم هذا الضَّرر بجمع الوصية في مسكن واحدٍ، فإن الله قد شرط في الوصية عدَمَ المضارة بقوله تعالى:{غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}[النساء: ١٢] فمن ضارَّ في وصيته، كان عملهُ مردودًا عليه لمخالفته ما شرط الله في الوصية.
وقد ذهب طائفة من الفقهاء إلى أنه لو وصَّى له بثلث مساكنه كُلِّها، ثم تلف ثلثا المساكن، وبقي منها ثلث أنه يُعطى كله للموصى له، وهذا قولُ طائفةٍ من أصحاب أبي حنيفة، وحكي عن أبي يوسف ومحمد، ووافقهم القاضي أبو يعلى من أصحابنا في خلافه، وبَنَوا ذلك على أن المساكن المشتركة تقسم بين المشتركين فيها قسمة إجبار، كما هو قولُ مالك، وظاهرُ كلام ابن أبي موسى من أصحابنا، والمشهورُ عند أصحابنا أن المساكن المتعدِّدة لا تُقسم قسمة إجبار وهو قولُ أبي حنيفة والشَّافعي، وقد تأوَّل بعضُ المالكية فتيا القاسم المذكورة في هذا الحديث على أن أحد الفريقين من الورثة أو الموصى لهم طلب قسمة المساكن وكانت متقاربة بحيث يضمُّ بعضها إلى بعض في القسمة، فإنه يُجاب إلى قسمتها على قولهم، وهذا التأويل بعيد مخالف لِلظاهر، والله أعلم.