للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المهمةُ إلى فهم ما أخبرَ الله به ورسولُه، ثمَّ اتباعُ ذلك والعملُ به، وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسأَلُ عَنِ المسائل؛ فيُحيل على القرآن، كما سأله عمرُ عنِ الكَلالَةِ، فقال: "يَكفيك آيةُ الصيف" (١).

وأشار - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إلى أنَّ في الاشتغال بامتثالِ أمرِه، واجتنابِ نهيه شغلًا عن المسائل، فقال: "إذا نهيتُكم عن شيءٍ، فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ، فأتوا منه ما استطعتم" فالذي يتعيَّنُ على المسلم الاعتناءُ به والاهتمامُ أن يبحثَ عمَّا جاءَ عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يجتهدُ في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديقِ بذلك إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمور العملية، بذل وسْعَهُ في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما يُنهى عنه، وتكون همَّتُهُ مصروفةً بالكلية إلى ذلك؛ لا إلى غيره. وهكذا كان حالُ أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع مِنَ الكتاب والسنة.

فأمَّا إن كانت همةُ السامعَ مصروفةً عند سماعِ الأمر والنهي إلى فرض أمورٍ قد تقع، وقد لا تقع، فإنَّ هذا مما يدخل في النَّهي، ويثبِّطُ عَن الجد في متابعة الأمر. وقد سألَ. رجلٌ ابنَ عمر عن استلام الحجر، فقال له: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبِّلُه، فقال له الرجل: أرأيتَ إن غُلِبْتُ عليه؟ أرأيت إن زُوحِمْتُ؟ فقال له ابن عمر: اجعل "أرأيت" باليمن، رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلِمُه ويقبِّلُه. خرَّجه الترمذي (٢). ومرادُ ابن عمر أنَّه لا يكن لك همٌّ إلا في الاقتداء بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا حاجةَ إلى فرضِ العجزِ عنْ ذلك أو تعسُّره قبلَ وقوعه؛ فإنَّه قد يفتُرُ العزمُ عن التَّصميم على المتابعة، فإنَّ التَّفقُّهَ في الدِّين، والسُّؤالَ عن العِلم إنَّما يُحمَدُ إذا كان للعمل، لا لِلمراءِ والجدال.


(١) رواه مسلم (١٦١٧) وابن ماجه (٢٧٢٦).
(٢) في "السنن" (٨٦١). ورواه أيضًا البخاري (١٦١٠)، والنسائي ٥/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>