الخولاني، وأويس القَرَنيِّ، وطاووس، ووهب بن منبه، وغيرِهم من عُلماء أهل اليمن، وكلُّ هؤلاء مِنَ العلماء الربانيين الخائفين لله، فكلهم علماءُ بالله يخشونه ويخافونه، وبعضُهم أوسعُ علمًا بأحكام الله وشرائع دينه من بعض، ولم يكن تميُّزهم عن الناس بكثرة قيلٍ وقالٍ، ولا بحثٍ ولا جدالٍ.
وكذلك معاذُ بنُ جبل رضي الله عنه أعلم الناس بالحلال والحرام، وهو الذي يحشر يومَ القيامة أمام العلماء برتوة (١)، ولم يكن علمه بتوسعة المسائل وتكثيرها، بل قد سبق عنه كراهةُ الكلام فيما لا يقع، وإنما كان عالمًا بالله وعالمًا بأصول دينه. وقد قيل للِإمام أحمد: مَنْ نسالُ بعدَك؟ قال: عبد الوهَّاب الورَّاق، قيل له: إنه ليس له اتِّساعٌ في العلم، قال: إنه رجل صالح مثلُه يُوفَّقُ لِإصابة الحق.
وسئل عن معروف الكرخي، فقال: كان معه أصلُ العلم: خشية الله. وهذا يرجعُ إلى قولِ بعض السَّلف: كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار بالله جهلًا. وهذا بابٌ واسع يطول استقصاؤه.
ولنرجع إلى شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه فنقول: مَنْ لم يشتغل بكثرة المسائل التي لا يوجدُ مثلُها في كتاب، ولا سنة، بل اشتغل بفهم كلام الله ورسوله، وقصدُه بذلك امتثالُ الأوامر، واجتنابُ النواهي، فهو ممَّنِ امتثلَ أمرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، وعَمِلَ بمقتضاه، ومن لم يكن اهتمامُه بفهم ما أنزل الكه على رسوله، واشتغل بكثرةِ توليدِ المسائل قد تقع وقد لا تقع، وتكلَّفَ أجوبتها بمجرَّد الرأي، خُشِيَ عليه أن يكونَ مخالفًا لهذا الحديث، مرتكبًا لنهيه، تاركًا لأمره.
(١) الرتوة: رمية سهم، وقيل: مدُّ البصر. وانظر تخريج الحديث في "سير أعلام النبلاء" ١/ ٤٤٦ ترجمة معاذ بن جبل رضي الله عنه.