وقد روي هذا الكلام موقوفًا على جماعة من الصحابة: منهم عُمَرُ، وابنُ عمرَ، وأبو الدرداء، وعن ابنِ مسعود، قال: ما تريدُ إلى ما يَريبُكَ وحولَك أربعةُ آلاف لا تَريبُكَ؟!
رِباً وقال عمر دَعُوا الرِّبا والرِّيبة، يعني: ما ارتبتم فيه، وإن لم تتحققوا أنه رِبًا.
ومعنى هذا الحديث يرجع إلى الوقوف عند الشبهات واتقائها، فإنَّ الحلالَ المحض لا يَحْصُلُ للمؤمن في قلبه منه ريب - والريب: بمعنى القلق والاضطراب - بل تسكن إليه النفسُ، ويطمئن به القلبُ، وأما المشتبهات فيَحْصُل بها للقلوب القلقُ والاضطرابُ الموجب للشك.
وقال أبو عبد الرحمن العمري الزاهد: إذا كان العبدُ ورعًا، ترك ما يَريبه إلى ما لا يَريبُه.
وقال الفضيلُ: يزعم الناسُ أنَّ الورعَ شديدٌ، وما ورد على أمران إلا أخذتُ بأشدِّهما، فدع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك.
وقال حسانُ بن أبي سنان: ما شيء أهون من الورع، إذا رابك شيءٍ، فدعه. وهذا إنما يسهل على مثل حسان رحمه الله.
قال ابن المبارك: كتب غلامٌ لحسانَ بن أبي سنان إليه مِن الأهواز: إن قَصَبَ السكر أصابته آفةٌ، فاشتر السكر فيما قِبَلَكَ، فاشتراه من رجل، فلم يأت عليه إلا قليلٌ فإذا فيما اشترى ربحَ ثلاثين ألفًا، قال: فأتى صاحبَ السُّكر، فقال: يا هذا إِن غلامي كان كتب إليَّ، فلم أُعْلِمكَ، فأَقلْني فيما اشتريت منك، فقال له الآخر: قد أعلمتني الآن، وقد طَيَّبتُه لك، قال: فرجع فلم يحتمل قَلْبُهُ، فأتاه، فقال: يا هذا إني لم آت هذا الأمر من قبل وجهه، فأُحِبُّ أنَّ تستردَّ هذا البَيع، قال: فما زال به حتى ردَّ عليه.