للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد اختلف العلماءُ في مرتكب الكبائر: هل يُسفى مؤمنًا ناقصَ الإِيمان، أم لا يُسمى مؤمنًا؟ وإنَّما يُقالُ: هو مسلم، وليس بمؤمنٍ على قولين، وهما روايتان عن الإمام أحمد.

فأمَّا من ارتكبَ الصَّغائرَ، فلا يزول عنه اسم الإيمان بالكلية، بل هو مؤمنٌ ناقصُ الإيمان، ينقص من إيمانه بحسب ما ارتكبَ من ذلك.

والقولُ بأنَّ مرتكب الكبائر يقال له: مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ مرويٌّ عن جابرِ بنِ عبد الله، وهو قولُ ابن المبارك وإسحاق وأبي عُبيد وغيرهم، والقول بأنه مسلمٌ، ليس بمؤمنٍ مرويٌّ عنَ أبي جعفر محمد بن علي، وذكر بعضُهم أنَّه المختارُ عندَ أهلِ السُّنَّةِ.

وقال ابنُ عباسٍ: الزاني يُنزَعُ منه نورُ الإيمان (١). وقال أبو هريرة: يُنْزَعُ منه الإيمانُ، فيكون فوقَه كالظُّلَّةِ، فإذا تابَ عاد إليه.

وقال عبدُ الله بن رواحة وأبو الدرداء: الإيمانُ كالقميصِ، يَلبَسُه الإنسانُ تارةً، ويخلعه أخرى، وكذا قال الِإمام أحمد رحمه الله وغيره (٢)، والمعنى: أنَّه إذا كمَّل خصالَ الإيمان، لبسه، فإذا نقصَ منها شيئًا نزعه، وكلُّ هذا إشارةٌ إلى الإيمان الكامل التام الذي لا يَنْقُصُ من واجباته شيءٍ.

والمقصودُ أن مِن جملة خِصال الِإيمانِ الواجبةِ أن يُحِبَّ المرءُ لأخيه المؤمنِ ما يدب لنفسه، ويكره له ما يكرهه لنفسه، فإذا زالَ ذلك عنه، فقد نَقَصَ إيمانُهُ بذلك. وقد رُوِيَ أنَّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي هريرة: "أَحِبَّ للناسِ ما تُحبُّ لنفسِك


= حديث أبي شريح الكعبي البخاري (٦٠١٦)، وأحمد ٤/ ٣١، ومن حديث أنس ابن حبان (٥١٠).
(١) رواه الآجري في "الشريعة" ص ١١٥.
(٢) وكذا قال سفيان الثوري كما في "الحلية" ٧/ ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>