للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} إلى قوله: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} (١) [المائدة: ٤٢].

وكان الله تعالى قد أمر أوَّلًا بحبسِ النِّساء الزَّواني إلى أن يتوفَّاهنَّ الموت أو يجعل الله لهنَّ السبيل، ثم جعل الله لهنَّ سبيلاً، ففي "صحيح مسلم" عن عبادة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "خُذوا عنَّي خُذوا عنِّي قد جعل الله لهنَّ سبيلًا: البكرُ بالبكرِ جلدُ مئة وتغريبُ عامٍ، والثيبُ بالثيب جلدُ مئة والرجمُ" (٢).

وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جماعةٌ من العلماء، وأوجبوا جلدَ الثيب مئة، ثم رجمه كما فعل عليٌّ بِشُراحة الهَمْدَانيَّةِ، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورَجمتُها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣). يشير إلى أن كتاب الله فيه جلدُ الزَّانيين من غير تفصيلٍ بين ثيِّبٍ وبِكرٍ، وجاءت السُّنةُ برجم الثيب خاصة مع استنباطه من القرآن أيضًا،


(١) رواه الحميدي في "مسنده" (١٢٩٤) وفي إسناده مجالد بن سعيد، وهو ضعيف.
(٢) رواه مسلم (١٦٩٠)، وصححه ابن حبان (٤٤٢٦) و (٤٤٢٧)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(٣) رواه أحمد ١/ ٩٣، وعلي بن الجعد (٥٠٥)، والحاكم ٤/ ٣٦٤ - ٣٦٥، والبيهقي ٨/ ٢٢٠.
قلت: في "الفتح" ١٢/ ١١٩: ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن المنذر إلى أن الزاني المحصن يجلد ثم يرجم، وقال الجمهور - وهي رواية عن أحمد أيضًا -: لا يجمع بينهما، وذكروا أن حديث عُبادة منسوخ، يعني الحديث المتقدم، والناسخ ما ثبت في قصة ماعِز، أن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رجمه، ولم يذكر الجلد. قال الشافعيُّ: فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر، ساقط عن الثيب، والدليل على أن قصة ماعز متراخية عن حديث عبادة أن حديث عبادة ناسخ لما شُرع أولًا من حبس الزاني في البيوت، فنسخ الحبس بالجلد، وزيد الثيب بالرجم، وذلك صريح في حديث عبادة، ثم نسخ الجلد في حق الثيب، وذلك مأخوذ من الاقتصار في قصة ماعز على الرجم، وكذلك في قصة الغامدية والجُهنية واليهوديين لم يذكر الرجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>