للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

واسقِ الظمآن، وأُمُر بالمعروف، وانْهَ عَنِ المُنكر، فإنَّ لم تُطِقْ ذلك، فكفَّ لسانك إلَّا مِن خيرٍ" (١).

فليس الكلامُ مأمورًا به على الِإطلاق، ولا السُّكوتُ كذلك، بل لا بدَّ منَ الكلام بالخير والسكوتِ عن الشرِّ، وكان السَّلفُ كثيرًا يمدحُون الصَّمتَ عن الشَّرِّ، وَعمَّا لا يعني لِشدَّته على النفس، ولذلك يقع فيه النَّاسُ كثيرًا، فكانوا يُعالجون أنفسهم، ويُجاهدونها على السكوت عما لا يعنيهم.

قال الفضيلُ بن عياض: ما حجّ ولا رِباطٌ ولا جهادٌ أشدَّ مِنْ حبس اللسان، ولو أصبحت يهمُّكَ لسانُك، أصبحتَ في غمٍّ شديد، وقال: سجنُ اللسان سجنُ المؤمن، ولو أصبحت يهمُّك لسانُك، أصبحت في غمٍّ شديد (٢).

وسئلَ ابنُ المبارك عن قولِ لقمان لابنه: إن كان الكلامُ من فضةٍ، فإنَّ الصَّمتَ من ذهبٍ (٣)، فقال: معناه: لو كان الكلامُ بطاعة الله مِن فضَّة، فإنَّ الصَّمتَ عن معصيةِ اللهِ من ذهبِ. وهذا يرجعُ إلى أن الكفَّ عن المعاصي أفضلُ من عمل الطاعات، وقد سَبق القولُ في هذا مستوفى.

وتذاكروا عندَ الأحنفِ بنِ قيس، أيُّما أفضل الصمتُ أو النطقُ؟ فقال قوم: الصمتُ أفضلُ، فقال الأحنفُ: النطقُ أفضل؛ لأن فضلَ الصمت لا يعدو صاحبَه، والمنطق الحسن ينتفع به مَنْ سَمِعَه (٤).

وقال رجلٌ من العلماء عند عمرَ بنِ عبد العزيز رحمه الله: الصَّامت على علم كالمتكلم على علمٍ، فقال عمر: إنِّي لأرجو أن يكونَ المتكلمُ على علم


(١) رواه أحمد ٤/ ٢٩٩، وصححه ابن حبان (٣٧٤)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (٦٥١)، وأبو نعيم في "الحلية" ٨/ ١١٠.
(٣) ورواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (٤٧) من قول سليمان بن داود عليهما السلام.
(٤) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (٧١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>