لبعض، وخصوصًا إذا روى بعضُ أهل بلد عن بعض أهل بلدٍ ناءٍ عنه، فإن أئمة الحديث ما زالوا يستدلُّونَ على عَدَم السماع بتباعد بلدان الرواة، كما قالوا في رواية سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء وما أشبه ذلك.
وهذا الحديثُ قد رواه الشَّعبي - وهو مِنْ أهل الكوفة - عن عبد الله بن عمرو - وهو حجازي ترك مصر، ولم يسكن العراقَ - فاحتاجَ أن يذكرَ ما يَدُلُّ على سماعه منه، وقد كان عبدُ الله بن عمرو قَدِمَ مع معاوية الكوفة عامَ الجماعة، فسمِعَ منه أهلُ الكوفة كأبي وائل، وزِرْ بن حُبيش، والشعبي.
وإنَّما خرج مسلم هذا الحديث من رواية المصريين عن عبد الله بن عمرو من رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن رجلًا سأَل النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ المسلمين خير؟ قال:"مَنْ سَلِمَ المسلمُونَ مِنْ لِسانِهِ ويَدِهِ"، وهذا اللفظ يُخالِفُ لفظ رواية البخاري.
وأما رواية "المسلم" فيقتضي حصر المسلم فيمن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمرادُ بذلك: المسلمُ الكاملُ الإِسلام، فمن لِم يسلم المسلمون من لسانه ويده، فإنَّه ينتفي عنه كمالُ الإِسلام الواجب، فإنَّ سلامة المسلمين من لسانِ العبدِ ويده واجبة، فإنَّ أذى المسلم حرام باللسان وباليد، فأذى اليد الفعل، وأذى اللسان القول.
والظاهرُ أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إنَّما وصف المسلم بهذا في هذا الحديث، لأن السائلَ كان مسلمًا قد أتى بأركانِ الإِسلام الواجبة لله عزَّ وجلَّ، وإنَّما يَجْهَلُ دخولَ هذا القدرِ الواجب من حقوقِ العباد في الإِسلام، فبيَّنَ له النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ما جَهِلَهُ.
ويُشبه هذا أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لما خطبَ في حجة الوداعَ وبَيَّنَ للنَّاس حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، أتبع ذلك بقوله: "سأُخبركم من المسلم؟ مَنْ سَلِمَ