للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

جميعُ ما يدعو به الغضبانُ على نفسه وأهله وماله، والحديثُ دلَّ على أنه قد يُستجابُ لمصادفته ساعة إجابة.

وأما ما رُوي عن الفُضيل بنِ عياض قال: ثلاثةٌ لا يُلامون على غضبٍ: الصائمُ والمريضُ والمسافرُ، وعن الأحنف بن قيس قال: يوحي الله إلى الحافظين اللذين مع ابن آدم: لا تكتبا على عبدي في ضجره شيئًا، وعن أبي عمران الجوني قال: إن المريضَ إذا جزع فأذنب، قال المَلَكُ الذي على اليمين للملك الذي على الشمال: لا تكتب، خرَّجه ابن أبي الدنيا، فهذا كلُّه لا يُعرف له أصلٌ صحيحٌ من الشرع يدلُّ عليه، والأحاديثُ التي ذكرناها من قبل تدلُّ على خلافه.

وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا غضبتَ فاسكت" يدلّ على أن الغضبانَ مُكَلَّفٌ في حال غضبه بالسكوت، فيكون حينئذ مؤاخذًا بالكلام، وقد صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر من غضب أن يتلافى غضبَه بما يُسكنه من أقوال وأفعال، وهذا هو عينُ التكليف له بقطع الغضب، فكيف يقال: إنَّه غيرُ مكلَّف في حال غضبه بما يصدر منه.

وقال عطاءُ بنُ أبي رباح: ما أبكى العلماءَ بكاء آخر العمر من غضبة يغضبُها أحدُهُم فتهدِمُ عملَ خمسين سنة، أو ستين سنة، أو سَبعينَ سنة، وربَّ غضبة قد أقحمت صاحبها مقحمًا ما استقاله. خرجه ابن أبي الدنيا.

ثم أن من قال مِن السلف: إن الغضبان إذا كان سببُ غضبه مباحًا، كالمرض، أو السفر، أو طاعةً كالصَّوْم لا يُلام عليه إنما مرادُه أنه لا إثمَ عليه إذا كان مما يقع منه في حال الغضب كثيرًا من كلام يُوجبُ تضجرًا أو سبًا ونحوه كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما أنا بَشَرٌ أرضَى كما يرضىَ البَشَرُ، وأغْضَبُ كما يَغْضَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>