للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يا مُدمِنَ الذَّنْبِ أما تَستَحِي … والله في الخَلْوَةِ ثَانِيكَا

غَرَّكَ مِنْ رَبِّكَ إمْهَالُهُ … وسَتْرُهُ طُولَ مَساوِيكَا

والمقصود أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما وصَّى معاذًا بتقوى الله سِرًّا وعلانيةً، أرشده إلى ما يُعينه على ذلك وهو أن يستحيَ من الله كما يستحي من رجلٍ ذي هيبةٍ من قومه. ومعنى ذلك أن يستشعِرَ دائمًا بقلبه قُرْبَ الله منه واطلاعه عليه فيستحيي من نظره إليه.

وقد امتثل معاذُ ما وصَّاه به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان عمر قد بعثه على عَمَلٍ، فقدم وليس معه شيء، فعاتبته امرأتُه، فقال: كان معي ضاغط، يعني: من يُضيق عليّ، ويمنعني من أخذ شي وإنما أراد معاذ ربَّه عزَّ وجلَّ، فظنت امرأتُه أن عُمَر بعث معه رقيبًا، فقامت تشكوه إلى الناس.

ومن صار له هذا المقام حالًا دائمًا أو غالبًا، فهو من المحسنين الذين يعبدون الله كأنَّهم يرونه، ومن المحسنين الذين يجتنبون كبائرَ الإثم والفواحِشَ إلا اللممَ.

وفي الجملة فتقوى الله في السرِّ هو علامةُ كمالِ الإيمانِ، وله تأثيرٌ عظيم في إلقاء الله لصاحبه الثناءَ في قلوب المؤمنين. وفي الحديث: "ما أسَرَّ عبدٌ سَريرةً إلا ألبسه الله رِداءَها علانيةً إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًا فشرًا" (١) رُوي هذا مرفوعًا، ورُوي عن ابن مسعود من قوله.


(١) رواه الطبراني في "الكبير" (١٧٢) من حديث جندب بن سفيان، وفي سنده حامد بن آدم المروزي كذبه غير واحد، ورواه ابن أبي الدنيا في "الإخلاص" فيما ذكره العجلوني في كشف الخفا" عن عثمان، وروى أحمد ٣/ ٢٨، وأبو يعلى (١٣٧٨)، وأبو نعيم من طريق ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لخرج عمله للناس كائنًا من كان"، وابن لهيعة ضعيف وكذا دراج في روايته عن أبي الهيثم.

<<  <  ج: ص:  >  >>