للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والظاهر أن هذا في حقِّ التائبِ، لأن الاعترافَ يقتضي الندم، وفي حديث عائشة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبدَ إذا اعترف بذنبه، ثم تابَ، تاب الله عليه" (١)، والصحيح قولُ الأكثرين.

وهذه الآيات لا تدلُّ على عدم القطع، فإن الكريمَ إذا أطمع، لم يقطع من رجائه المطمع، ومِنْ هنا قال ابنُ عباس: إن "عسى" من الله واجبة، نقله عنه عليُّ بن أبي طلحة (٢). وقد ورد جزاءُ الإيمان والعمل الصالح بلفظ: "عسى" أيضًا، ولم يدل ذلك على أنه غيرُ مقطوع به، كما في قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)} [التوبة: ١٨].

وأما قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]، فإنَّ التائب ممن شاء أن يغفرَ له، كما أخبر بذلك في مواضع كثيرة من كتابه.

وقد يُراد بالحسنة في قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أتبع السَّيئة الحسنة" ما هو أعمُّ من التوبة، كما في قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، وقد رُوي من حديث معاذ أن الرجل الذي نزلت بسببه هذه الآية أمره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضَّأ ويُصلِّي (٣).


(١) رواه البخاري (٤١٤١) و (٤٧٥٠) ومسلم (٢٧٧٠) وأحمد ٦/ ١٩٦.
(٢) رواه ابن جرير (١٦٥٥) وعلي بن أبي طلحة روايته عن ابن عباس مرسلة، فإنه لم يره.
(٣) رواه أحمد ٥/ ٢٤٤ والترمذي (٣١١٣) والطبري (١٨٦٧٨) و (١٨٦٨٢) من طريقين عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بمتصل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر، وقتل عمر وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام صغير ابن ست سنين وقد روى عن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>