للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حسْبي مِنَ الحُبِّ أنِّي … لِمَا تُحِبُّ أُحِبُّ (١)

والدرجة الثانية: أن يصبرَ على البلاء، وهذه لمن لم يستطع الرِّضا بالقضاء، فالرِّضا فضلٌ مندوبٌ إليه، مستحبٌ، والصبرُ واجبٌ على المؤمن حتمٌ، وفي الصَّبرِ خيرٌ كثيرٌ، فإنَّ الله أمرَ به، ووعدَ عليه جزيلَ الأجر. قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠]، وقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧]. قال الحسن: الرِّضا عزيزٌ، ولكن الصبر معوَّلُ المؤمن (٢).

والفرق بين الرضا والصبر: أن الصَّبر: كفُّ النَّفسِ وحبسُها عن التسخط مع وجود الألم، وتمنِّي زوال ذلك، وكفّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء، وترك تمنِّي زوال ذلك المؤلم، وإن وجد الإِحساس بالألم، لكن الرضا يخفِّفُه لما يباشر القلبَ من رَوح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرِّضا، فقد يزيل الإِحساس بالألم بالكلية كما سبق.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "واعلم أن النَّصر مع الصَّبر". هذا موافق لقول الله عزَّ وجلَّ: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ٢٤٩]. وقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: ٦٦]. وقال عمرُ لأشياخ من بني عبس: بم قاتلتُمُ الناس؟ قالوا: بالصبر، لم نلق قومًا إلا صبرنا لهم كما صبروا لنا. وقال بعض السلف: كلنا يكره الموت


(١) الأبيات الثلاثة غير منسوبة في "صيد الخاطر" ص ٩٤ لابن الجوزي وفي "نور الاقتباس" ص ٥٥ للمصنف.
(٢) ورواه أبو نعيم في "الحلية" ٥/ ٣٤٢ عن عمر بن عبد العزيز.

<<  <  ج: ص:  >  >>