للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

"الحياء خلَّةٌ أُوتوها ومُنِعْتُموها" (١).

واعلم أن الحياء نوعان:

أحدهما: ما كان خَلْقًا وجِبِلَّةً غير مكتسب، وهو من أجلِّ الأخلاق التي يَمنَحُهَا الله العبدَ ويَجبلُه عليها، وَلهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحياء لا يأتي إلَّا بخير"، فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح ودناءةِ الأخلاق، ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو مِنْ خصال الإيمان بهذا الاعتبار، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من استحيى، اختفى، ومن اختفى، اتقى، ومن اتقى وُقي.

وقال الجَرَّاح بنُ عبد الله الحكمي - وكان فارس أهل الشام -: تركتُ الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع (٢). وعن بعضهم قال: رأيتُ المعاصي نذالةً، فتركتها مُروءَةً، فاستحالت دِيانة.

والثاني: ما كان مكتسبًا من معرفة اللهِ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمِه بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور، فهذا من أعلى خصالِ الإيمان، بل هو مِنْ أعلى درجات الإحسان، وقد تقدَّم أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لِرجل: "استحي مِنَ اللهِ كما تستحي رجلًا مِنْ صالحِ عشيرتِكَ" (٣).

وفي حديث ابن مسعود: "الاستحياءُ مِنَ اللهِ أن تحفط الرَّأسَ وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموتَ والبلَى؛ ومن أراد الآخرة تركَ زينةَ الدُّنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيى مِنَ الله" خرَّجه الإمامُ أحمد والترمذي مرفوعًا (٤).


(١) رواه ابن أبي شيبة ٨/ ٥٢٤ عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: دخل عُيينة، وفيه: "أعطوها وضيعتموها".
(٢) انظر "السير" ٥/ ١٩٠.
(٣) تقدم تخريجه ص ٧٨.
(٤) رواه أحمد ١/ ٤٠٨، والترمذي (٢٤٥٨)، وابن أبي شيبة ١٣/ ٢٢٣، وفيه الصباح بن=

<<  <  ج: ص:  >  >>